للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى محك الصدق والإخلاص بطلت أكثر دعاوى العابدين، وهلك أكثر الثقلين، فالصدق يخرج كل من أدعى الإيمان - أو شيئا من أعماله - وأظهره وهو يبطن خلافه، والإخلاص يخرج كل من عبد مع الله غيره أو أراد غيره معه في عمل من أعمال العبادة - كما في الحديث الصحيح: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (٢). ومن هنا كانت شهادة أن لا إله إلا الله هى كلمة الصدق (١)، وكلمة الإخلاص (٢) وأقترن الصدق والإخلاص وحل كلا منهما محل الأخر في الأحاديث، كأحاديث الشفاعة التي وردات بها روايات كثيرة، منها: ((أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه ونفسه)) (١) وفي رواية: ((شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه)) (٢)، وفي رواية ((رب من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله مصدقا لسانه قلبه أدخله الجنة)) (٣) وفي رواية: ((ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله الا الله مخلصا فيخرجونهم منها قال ثم يتحنن الله برحمته على من فيها فما يترك فيها عبدا في قلبه مثقال حبة من إيمان الا أخرجه منها) (٤).وكحديث مالك بن الدخشم الذي كان متهما بالنفاق، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما يخالف ذلك من روايات، منها: ((ألا تراه قال لا إله إلا الله. يريد بذلك وجه الله قال الله ورسوله أعلم. قال قلنا فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. فقال فإن الله حرم على النار من شهد بها)) (٥).وفي رواية: ((والذي بعثني بالحق لئن قالها من قلبه لا تأكله النار أبدا)) (٦)، وهي تقيد الإطلاق الوارد في رواية مسلم: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)) (٧).

والصدق والإخلاص مع تقاربهما، ومع ترادفهما أحيانا - يعرف التمييز بينهما بضد كلا منهما، فالصدق ضده انتفاء إرادة الله بالعمل أصلا - كمن أمن أو صلى كاذبا، لم يرد الإيمان والصلاة، وإنما فعل ذلك لسبب آخر - كما فعله المنافقون حفظاً لأنفسهم وأموالهم من السيف، وجبنا عن تحمل أعباء المواجهة الصريحة للإيمان.


(١) رواه البخاري (٩٩) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه أحمد (٨٠٥٦) (٢/ ٣٠٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٤٠٧): رجاله رجال الصحيح غير معاوية بن معتب وهو ثقة , وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (١٥/ ٢٠٧): إسناده صحيح, وقال الوادعي في ((الشفاعة)) (٧٤): من طريق معاوية بن معتب أو مغيث وهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات.
(٣) رواه أحمد (٢٣٥٥٢) (٥/ ٤١٣) , من حديث أبي أيوب الأنصار رضي الله عنه, قال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (١/ ٤٤٤): غريب تفرد به أبو قبيل عن عباد, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٣٧٨): فيه عباد بن ناشر من بني سريع ولم أعرفه وابن لهيعة ضعفه الجمهور, وقال الوادعي في ((الشفاعة)) (٩١): عبد الله بن ناشر مستور الحال يصلح في الشواهد والمتابعات وكذا ابن لهيعة يصلح في الشواهد والمتابعات.
(٤) رواه أحمد (٣/ ١١) (١١٠٩٦) , من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, قال الوادعي في ((الشفاعة)) (١٥٩): بهذا السند حسن.
(٥) رواه البخاري (٥٤٠١) , من حديث محمود بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه.
(٦) رواه أحمد (٤/ ٤٤) (١٦٥٣١) ,
(٧) رواه مسلم (٥٤) (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>