للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال: قتله الحجاج، وقيل مات في حبسه، ولم يبلغ أربعين سنة رحمه الله تعالى. وفي الإرجاء الذي وقع فيه يقول شيخ الإسلام: "وفي الجملة الذين رموا بالإرجاء من الأكابر، مل طلق بن حبيب، وإبراهيم التيمي، ونحوهما كان إرجاؤهم من هذا النوع (١)، وكانوا أيضاً لا يستثنون في الإيمان" (٢).٢ - طلق بن حبيب (٣):

هو طلق - بسكون اللام - ابن حبيب العنزي - بفتح المهملة والنون - البصري، وفاته ما بين التسعين إلى المائة من الهجرة.

وصفة الذهبي بالزاهد الكبير، ومن العلماء العاملين، وأنه من صلحاء التابعين، إلا أنه يرى الإرجاء.

وكان طلق يتكلم على الناس، ويعظ، وكان من أحسن الناس صوتا، فلما وقعت فتنة ابن الأشعث قال: اتقوها بالتقوى، فقيل له: صف لنا التقوى، قال: العمل بطاعة الله، على نور من الله؛ رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله، على نور من الله؛ مخافة عذاب الله.

ومع هذا، فقد كان هو وسعيد بن جبير وقراء كانوا معهم ممن طلبهم الحجاج لقتلهم؛ بسبب هذه الفتنة المظلمة.

وقد نهى سعيد بن جبير عن مجالسته؛ للإرجاء وجاء في سيرته أنه كان داعية إليه.

وقد تقدم ما قاله شيخ الإسلام عن الإرجاء الذي رمي به طلق غفر الله له.٣ - ذر الهمداني (٤):

هو أبو عمر ذر بن عبدالله بن زرارة المرهبي - بضم الميم، وسكون الراء - الهمداني، الكوفي، مات سنة ٩٩هـ.

في عداد التابعين الثقات، ومن عباد أهل الكوفة، ومن أبلغ الناس في القصص.

ومع هذه الأوصاف الرفيعة، فقد وقع في هوة سحيقة، حيث زل في أمرين منكرين:

أولاهما: الخروج على الحجاج، وحض الناس على ذلك، فقد آتاه الله بلاغة في القصص، فجعلها سلاحا لمبتغاه، فما زال بالناس مع جماعة من موافقيه، في اجتهاد اجتهدوه - والله يغفر لهم - حتى خلعوا الحجاج، ثم جرى ما جرى، من بطش وتقتيل طال أكابر العلماء، والله المستعان. يقول الذهبي: "لما أجمع ابن الأشعث المسير من سجستان، وقصد العراق لقي ذرا الهمداني، فوصله، وأمره أن يحض الناس، فكان يقص كل يوم، وينال من الحجاج، ثم سار الجيش وقد خلعوا الحجاج" (٥).

وثانيهما قوله بالإرجاء، ونصرته لهذه المقالة المهلكة.

وقد ذكر واصفوه - كما تقدم - أنه بليغ في كلامه، ساحر في بيانه، فلما تبني هذه المقالة الشائنة، حصل تأثير بدعوته من فئام كثير، حتى صارت الكتب تأتيه من الآفات، ومعلوم أن الغوغاء يتأثرون بمن حاله دون ذلك، فما بالك بمثل ذر!.

وفي قوله بالإرجاء ما يجعله عبرة وعظة لمريد النجاة، ذلك أن أول وقوعه في بدعة الإرجاء سببه زلة، أعقبها عجب ومعاندة، حتى صار رأيه مذهبا متبعا، والعياذ بالله.

فقد ذكر سلمة بن كهيل أن ذرا أول من تكلم في الإرجاء.

وقال ذر: إني أخاف أن يتخذ هذا دينا. فلما أتته الكتب من الآفاق، قال ذر: وهل أمر غير هذا؟! (٦).


(١) يعني إرجاء الفقهاء، فقد كان حديثه عنه. انظر: ((الفتاوى)) (١٣/ ٢٨).
(٢) ((الفتاوى)) (١٣/ ٤٠).
(٣) راجع أخباره في: ((الطبقات الكبرى)) (٧/ ٢٢٨)؛ و ((حلية الأولياء)) (٣/ ٦٤)؛ و ((الشريعة)) (٢/ ٦٨١) (رقم ٣٠١)؛ و ((سير أعلام النبلاء)) (٤/ ٦٠٤ - ٦٠٣)؛ و ((ميزان الاعتدال)) (٢/ ٣٤٥)؛ و ((تهذيب التهذيب)) (٢/ ٢٤٦)؛ و ((تقريب التهذيب))، (ص ٤٦٥).
(٤) راجع أخباره في: ((الطبقات الكبرى)) (٦/ ٢٩٣)؛ و ((تاريخ الإسلام)) حوادث (٨١ - ١٠٠)، (ص٦٠)، و ((ميزان الاعتدال) (٢/ ٣٢)؛ و ((تقريب التهذيب))، (ص ٣١٣).
(٥) ((تاريخ الإسلام)) حوادث (٨١ - ١٠٠)، (ص٥)؛ وانظر: ((الطبقات الكبرى)) (٦/ ٢٩٣).
(٦) انظر: ((السنة))، لعبدالله (١/ ٣٢٩) (رقم ٦٧٧)؛ و ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ٢٩٨ - ٣٠٠)؛ و ((تهذيب التهذيب)) (٢/ ٧٧ - ٧٨)؛ و ((تقريب التهذيب))، (ص٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>