للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحسن بن عبيدالله: "سمعت إبراهيم - يعني النخعي - يقول لذر: ويحك يا ذر ما هذا الدين الذي جئت به؟

قال ذر: ما هو إلا رأي رأيته. قال: ثم سمعت ذرا يقول: إنه لدين الله - عز وجل - الذي بعث الله بوحي عليه السلام! " (١).ويقول ذر عن نفسه: "لقد أشرعت رأيا خفت أن يتخذ دينا" (٢).

يقول إسحاق بن هانئ: قلت لأبي عبدالله - يعني الإمام أحمد -: أول من تكلم في الإيمان من هو؟ قال: يقولون: أول من تكلم فيه ذر (٣).وللسلف موقف يناسب حاله، كعادتهم مع أمثاله، إذ هجره إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير؛ للإرجاء (٤).والذي نقله شيخ الإسلام عن ذر هو مناقشة سعيد بن جبير له، وقوله له: "ألا تستحي من رأي أنت أكبر منه" (٥).

وتنقل بعض كتب الأثر تفصيلات لموقف سعيد بن جبير من ذر:

من ذلك أنه ناصحه، وحثه على تقوى الله، والحرص على ما ينفعه من القيام بالفرائض والطاعات. يقول عمر بن ذر: كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله، وقال: إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة، فذكر الفرائض، والصلوات، وما يرزقه الله من ذكره (٦).ومما جاء فيها أنه لا يكلمه، ولا يرد عليه السلام، ولعله بعد مناصحته له، وإصرار ذر على رأيه (٧).وفيها أيضا: "أن ذرا أتي سعيد بن جبير يوما في حاجة، فقال: لا، حتى تخبرني على أي دين أنت اليوم، أو رأي أنت اليوم، فإنك لا تزال تلتمس دينا قد أضللته، الا تستحي من رأي أنت أكبر منه" (٨).

٤ - حماد بن أبي سليمان: هو أبو إسماعيل حماد بن مسلم الكوفي الأشعري مولاهم، من صغار التابعين (٩)، توفي سنة ١٢٠هـ. يقول الذهبي في بيان مكانته العلمية: "فأفقه أهل الكوفة علي وابن مسعود، وأفقه أصحابهما علقمة، وأفقه أصحابه إبراهيم، وأفقه أصحاب إبراهيم حماد" (١٠).ويقول: "وتفقه بإبراهيم النخعي، وهو أنبل أصحابه، وأفقههم، وأقيسهم، وأبصرهم بالمناظرة والرأي" (١١).لكنه في باب الآثار والسنن ليس بذاك، قال أبو حاتم رحمه الله: "صدق، لا يحتج به، مستقيم في الفقه فإذا جاء الآثار شوش" (١٢).

"وعن شعبة: قال: كان حماد بن أبي سليمان لا يحفظ. يعني: أن الغالب عليه الفقه، وأنه لم يرزق حفظ الآثار" (١٣).

وما ذكر في سيرته من عدم عنايته بالآثار فيه لفتة مهمة في معرفة حال أصحاب الجرأة على القول في الدين بما لم يسبقوا إليه، والله المستعان. ثم هو رأس بين أصحابه، وإمام عندهم، ولذا تلحظ في أجوبته حينما يسأل عن بدعته نفسا حادا، فقد نقل عنه لما سئل: "ما هذا الرأي الذي أحدثت؟ لم يكن على عهد إبراهيم النخعي!، فقال: لو كان حيا لتابعني عليه" (١٤).


(١) ((السنة))، لعبدالله (١/ ٣٣٥) (رقم ٦٩٦).
(٢) ((السنة))، لعبدالله (١/ ٣٣٣) (رقم ٦٩٠).
(٣) ((السنة)) للخلال (٣/ ٥٦٣ – ٥٦٤) (رقم ٩٥٣).
(٤) انظر: ((ميزان الاعتدال)) (٢/ ٣٢)؛ و ((تهذيب التهذيب)) (٣/ ٢١٨).
(٥) ((الإيمان)) (ص٣٧٨) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٩٥).
(٦) ((حلية الأولياء)) (٤/ ٢٨٠)؛ و (سير أعلام النبلاء) (٤/ ٣٢٦).
(٧) ((السنة))، لعبدالله (١/ ٣٢٨) (رقم ٦٧٤)؛ و ((السنة)) للخلال (٥/ ٣١ - ٣٢) (رقم ١٥٣٥، ١٥٣٦)، و ((الإبانة)) (٢/ ٨٩١) (رقم ١٢٤٠)؛ و ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (٥/ ٩٩٠) (رقم ١٨١٢).
(٨) ((السنة))، لعبدالله (١/ ٣٢٥ - ٣٢٦) (رقم ٦٦٧)، (١/ ٣٣٤) (رقم ٦٩١)؛ و ((السنة)) للخلال (٤/ ١٣٩) (رقم ١٣٦٤)؛ و ((الإبانة الكبرى)) (٢/ ٨٩٠) (رقم ١٢٣٧).
(٩) انظر: ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ٢٣١).
(١٠) ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ٢٣٦).
(١١) ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ٢٣١).
(١٢) ((تهذيب الكمال)) (٧/ ٢٧٦)؛ و ((ميزان الاعتدال)) (١/ ٥٩٥).
(١٣) ((تهذيب الكمال)) (٧/ ٢٧٥).
(١٤) ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>