للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نسبت إلى الإمام أبي حنيفة أقوال في الإيمان، والإرجاء، استقصاها أبو الخطيب البغدادي؛ مما حدا بعلماء عصره إلى التشنيع عليه، والرد عليه. ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية يبرئه من تلك الأقوال؛ ويقول: "أبو حنيفة، وأصحابه، لا يجوزون الاستثناء في الإيمان بكون الأعمال منه، ويذمون المرجئة، والمرجئة عندهم الذين لا يوجبون الفرائض، ولا اجتناب المحارم، بل يكتفون بالإيمان، وقد علل تحريم الاستثناء فيه بأن لا يصلح تعليقه على الشرائط؛ لأن المعلق على الشرط لا يوجد، ولا عند وجوده" (١).ويقل شيخ الإسلام عن إرجاء علماء أهل السنة: "وفي الجملة الذين رموا بالإرجاء من الأكابر؛ مثل: طلق بن حبيب، وإبراهيم التميمي، ونحوهما، كان إرجاؤهم من هذا النوع، وكانوا لا يستثنون في الإيمان وكانوا يقولون: الإيمان هو الإيمان الموجود فينا، ونقطع بأنا صادقون، ويرون الاستثناء شكا، وكان عبدالله بن مسعود وأصحابه يستثنون، وقد روي في حديث أنه رجع عن ذلك لما قال له بعض أصحاب معاذ ما قال" (٢).ويوضح الإمام الذهبي شيئاً من مذهب علماء أهل السنة في الإرجاء؛ فيقول: "وقد كان على الإرجاء عدد كبير من علماء الأمة، فهلا عد مذهبا، وهو قولهم: أنا مؤمن - حقا - عند الله الساعة، مع اعترافهم بأنهم لا يدرون بما يموت عليه السلام؛ من كفر، أو إيمان، وهذه قولة خفيفة، وإنما الصعب من قول غلاة المرجئة إن الإيمان هو الاعتقاد بالأفئدة، وإن تارك الصلاة، والزكاة، وشارب الخمر، وقاتل النفس، والزاني، وجميع هؤلاء يكونون مؤمنين كاملي الإيمان، ولا يدخلون النار، ولا يعذبون أبداً، فردوا أحاديث الشفاعة المتواترة، وجسروا كل فاسق، وقاطع طريق على الموبقات، نعوذ الله من الخذلان" (٣).ويحدد الإمام سفيان الثوري مقالة المرجئة، وخلافهم مع أهل السنة؛ فيقول: "خلاف ما بيننا، وبين المرجئة ثلاث: يقولون: الإيمان قول، ولا عمل، ونقول: قول، وعمل، ونقول: إنه يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد، ولا ينقص، ونحن نقول: النفاق، وهم يقولون: لا نفاق" (٤).ويعرف الإمام الذهبي إرجاء الفقهاء فيقول: "وهو أنهم لا يعدون الصلاة والزكاة من الإيمان, ويقولون: الإيمان إقرار باللسان, ويقين في القلب, والنزاع على هذا لفظي, إن شاء الله, وإنما غلو الإرجاء من قال: لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض, نسأل الله العافية (٥)

المصدر:العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها والدفاع عنها حتى نهاية العصر الأموي لعطا الله المعايطة - ص ٥٩١


(١) ((مجموع الفتاوى))، (١٣/ ٤١).
(٢) ((الفتاوى))، (١٣/ ٤٠).
(٣) الذهبي، ((سير أعلام النبلاء))، (٩/ ٤٣٦).
(٤) الذهبي، ((سير أعلام النبلاء))، (١/ ١٦٢).
(٥) الذهبي، ((سير أعلام النبلاء))، (٥/ ٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>