للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ [المائدة: ٥١ - ٥٣].والمفسرون متفقون على أنها نزلت بسبب قوم ممن كان يظهر الإسلام وفي قلبه مرض، خاف أن يغلب أهل الإسلام، فيوالي الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم؛ للخوف الذي في قلوبهم، لا لاعتقاد أن محمدا كاذب واليهود والنصارى صادقون (١) " (٢).

ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: "ونصوص القرآن في غير موضع تدل على أن الكفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب، حتى فرعون الذي أظهر التكذيب كان في باطنه مصدقا، قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل: ١٤]، وكما قال موسى لفرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ [الإسراء: ١٠٢]، ومع هذا لم يكن مؤمنا، بل قال موسى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس: ٨٨]، قال الله: قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا [يونس: ٨٩]، ولما قال فرعون: آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ [يونس: ٩٠]، قال الله: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: ٩١]، فوصفه بالمعصية، ولم يصفه بعدم العلم، كما قال: فَعَصَى فِرْعَوْنُ [المزمل: ١٦].

وكما قال عن إبليس: فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [ص: ٧٣ - ٧٤]، فلم يصفه إلا بالإباء والاستكبار ومعارضة الأمر، ولم يصفه بعدم العلم. وقد أخبر الله عن الكفار في غير موضع أنهم كانوا معترفين بالصانع، في مثل قوله: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف: ٨٧] " (٣).


(١) راجع في تفسير الآية الكريمة: ((تفسير الطبري)) (٦/ ٣٢٨ - ٣٣٠)؛ و ((الجامع لأحكام القرآن))، للقرطبي، الطبعة الأولى ١٤٠٨هـ، دار الكتب العلمية ببيروت (٦/ ١٤٠ - ١٤١)، و ((زاد المسير)) (٢/ ٣٧٧ - ٣٧٨)؛ و ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٧٨)؛ و ((الدر المنثور)) (٣/ ٩٨ - ١٠٠).
(٢) ((الإيمان)) (ص١٨٠ - ١٨٣) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩١ - ١٩٣) باختصار.
(٣) ((الإيمان)) (١٤٥ - ١٤٦) ((الفتاوى)) (١٥٠ - ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>