للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: "والكرامية توافق المرجئة والجهمية في أن إيمان الناس كلهم سواء، ولا يستثنون في الإيمان، بل يقولون هو مؤمن حقا لمن أظهر الإيمان، وإذا كان منافقا فهو مخلد في النار عندهم، فإنه إنما يدخل الجنة من آمن ظاهرا وباطنا. ومن حكى عنهم أنه يقولون: المنافق يدخل الجنة، فقد كذب عليهم، بل يقولون: المنافق مؤمن؛ لأن الإيمان هو القول الظاهر، كما يسميه غيرهم مسلما؛ لأن الإسلام هو الاستسلام الظاهر" (١).

وقد اعتنى شيخ الإسلام بهذه الحقيقة، وبين برائتهم مما نسب إليهم من أن المنافق مؤمن في الجنة، ومما قاله في ذلك:

"فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمنا في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة، حتى الكرامية الذين يسمون المنافق مؤمنا، ويقولون الإيمان هو الكلمة، يقولون إنه لا ينفع في الآخرة إلا الإيمان الباطن. وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا في الاسم لا في الحكم؛ بسبب شبهة المرجئة في أن الإيمان لا يتبعض، ولا يتفاضل" (٢).ويقول: "وبعض الناس يحكي عنهم أن من تكلم به بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون: إنه مؤمن كامل الإيمان، وإنه من أهل النار" (٣).

ويقول: "وقالوا - يعني الكرامية - المنافق هو مؤمن، ولكنه مخلد في النار. وبعض الناس يحكي عنهم أن المنافق في الجنة، وهذا غلط علهيم، بل هم يجعلونه مؤمنا، مع كونه مخلدا في النار، فينازعون في الاسم، لا في الحكم" (٤).

ويقول: "وأما الكافر المنافق في الباطن، فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين.

ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأئمة وأئمتها، ولا عند أحد من طوائف المسلمين، إلا عند طائفة من المرجئة، وهم الكرامية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق في الظاهر، فإذا فعل ذلك كان مؤمنا، وإن كان مكذبا في الباطن، وسلموا أنه معذب مخلد في الآخرة، فنازعوا في اسمه، لا في حكمه.

ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة، وهو غلط عيهم. ومع ذلك فتسميتهم له مؤمنا بدعة ابتدعوها، مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهذا البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم" (٥).

وقال رحمه الله في معرض تقويمه آراء ابن كرام: "وابن كرام منتسب إلى مذهب أهل الرأي، وخالف قول الجماعة، وتكلم في مسألة الإيمان بكلام لم يسبقه إليه أحد من المسلمين، حيث جعل المتكلم بلسانه مؤمنا باطنا وظاهرا، وإن كان منافقا في الباطن، وجعله مع ذلك كافر مخلدا في النار. وبعض الناس يحكي عنه أنه جعله سعيدا في الآخرة، وهذا غلط عليه، فإنه جعله في النار، فلم يخالف الجماعة في حكمه في الآخرة، وإنما خالفهم في اسمه في الدنيا" (٦).

وبعد هذا كله، فإن معالم مسمى الإيمان عند الكرامية يمكن تلخيصها فيما يلي:

١ - أن الإيمان مجرد قول اللسان، فمن أتى به فهو مؤمن كامل الإيمان.

٢ - إخراج تصديق القلب من الإيمان، مع قولهم بوجوبه.

٣ - إخراج عمل القلب.

٤ - إخراج عمل الجوارح.

٥ - أن المنافق مؤمن في الدنيا؛ لأنه أتى بالقول، لكنه منافق مخلد في النار؛ لأنه مكذب بقبله.

٦ - أن الإيمان لا يتبعض، ولا يتفاضل، والناس فيه سواء، ولا يجتمع في العبد إيمان وكفر.


(١) ((الإيمان)) (ص١٣٥) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤١).
(٢) ((الإيمان)) (ص٢٠٣ - ٢٠٤) ((الفتاوى)) (٧/ ٢١٦).
(٣) ((الفتاوى)) (١٣/ ٥٦).
(٤) ((النبوات)) (١/ ٥٨٢).
(٥) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٤٧٥ - ٤٧٦)، (ص٣٠٨ - ٣٠٩) ط. ابن الجوزي.
(٦) ((شرح الإصبهانية)) (٢/ ٣٢٨)؛ وانظر: ((التدمرية))، (ص١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>