للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه هي الشبة التي أوقعتهم في الغلط في مسمى الإيمان، وهي نفسها شبهة من قبلهم من المرجئة، حيث ظنوا أن الإيمان لا يتبعض، إذ يلزم من ذلك ذهابه بذهاب بعضه، وأن يجتمع في العبد إيمان وكفر، وهذا مخالف عندهم للإجماع

وأما مذهبهم في المنافق الذي انفردوا به، حيث سموه مؤمنا، فقد حكى شيخ الإسلام شبهتهم في ذلك، فقال:

"والكرامية يقولون: المنافق مؤمن، وهو مخلد في النار؛ لأنه مؤمن ظاهرا لا باطنا، وإنما يدخل الجنة من آمن ظاهرا وباطنا.

قالوا: والدليل على شمول الإيمان له: أنه يدخل في الأحكام الدنيوية المعلقة باسم الإيمان، كقوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ [النساء: ٩٢].ويخاطب في الظاهر بالجمعة والطهارة وغير ذلك مما خوطب به الذين آمنوا، وأما من صدق بقلبه ولم يتكلم بلسانه، فإنه لا يعلق به شيء من أحكام الإيمان، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يدخل في خطاب الله لعباده بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ " (١).هكذا قرروا هذا القول الباطل المبتدع الذي لم يسبقهم إليه أحد، وخالفوا فيه إجماع المسلمين، والله قد نفى الإيمان عن المنافقين في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: ٨]، وقد ضل من سماه مؤمنا (٢).

وأما الاكتفاء من المنافق بمجرد الإقرار، فذلك لأن "قبول الإسلام الظاهر يجرى على صاحبه أحكام الإسلام الظاهرة، مثل عصمة الدم، والمال، والمناكحة، والموارثة، ونحو ذلك. وهذا يكفي فيه مجرد الإقرار الظاهر، وإن لم يعلم ما في باطن الإنسان، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((فإذا قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله)) (٣) وقال: ((إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم)) (٤) .. ،.وأما الإيمان الباطن الذي ينجي من عذاب الله في الآخرة، فلا يكفي فيه مجرد الإقرار الظاهر، بل قد يكون الرجل مع إسلامه الظاهر منافقا، وقد كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منافقون، وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن في غير موضع، ... ، والمنافق عمله حابط لا يتقبله الله" (٥).

وقد بين شيخ الإسلام ما يلزم الكرامية على هذه المقالة، فقال:

"فيلزمهم أن يكون المؤمن الكامل الإيمان معذبا في النار، بل يكون مخلدا فيها، وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

وإن قال: لا يخلد، وهو منافق.

لزمهم أن يكون المنافقون يخرجون من النار، والمنافقون قد قال الله فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء: ١٤٥]، وقد نهى الله نبيه عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم، وقال له: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ [التوبة: ٨٠]، وقال: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة: ٨٤]، وقد أخبر أنهم كفروا بالله ورسوله.


(١) ((الإيمان)) (ص١٣٤ - ١٣٥) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٠).
(٢) انظر: ((الإيمان)) (ص١٣٥، ١٣٦) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤١).
(٣) رواه البخاري (٢٥) ومسلم (٣٦) (٢٢) , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٤) رواه مسلم (١٠٦٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٥) ((درء التعارض)) (٧/ ٤٣٤ - ٤٣٦) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>