للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق الثاني: الأقوال التي نقلها شيخ الإسلام عن علماء الأشاعرة في مسمى الإيمان، أو أشار إليها.

نقل شيخ الإسلام كلام عدد من علماء الأشاعرة حول مذهبهم في الإيمان، وأكثر من النقل عن أبي القاسم الأنصاري، وقد تخلل هذه النقول تعقبات مهمة من شيخ الإسلام لكلام الأشاعرة كشف فيها عما حواه من اضطراب وتناقضِ، وهذا عرض لهذه النقول على النحو التالي:

أولاً: قال أبو القاسم الأنصاري: "وأما مذاهب أصحابنا - يعني الأشاعرة -، فصار أهل التحقيق من أهل الحديث والنظار منهم إلى: أن الإيمان هو: التصديق، وبه قال شيخنا أبو الحسن.

واختلف جوابه في معنى التصديق:

فقال مرة: التصديق هو: المعرفة بوجود الله، وقدمه، وإلهيته. وقال مرة: التصديق قول في النفس، غير أنه يتضمن المعرفة، ولا يصح أن يوجد بدونها؛ وهذا ما ارتضاه القاضي (١).

فإن التصدق والكذب، والتصديق والتكذيب، بالأقوال أجدر، فالتصديق إذا: قول في النفس، ويعبر عنه باللسان، فتوصف العبارة بأنها تصديق؛ لأنها عبارة عن التصديق. هذا ما حكاه شيخنا الإمام" (٢).

قال شيخ الإسلام معلقا على كلام الأنصاري: "فقد ذكر عن أبي الحسن الأشعري قولين: أحدهما: أن التصديق هو المعرفة، وهذا قول جهم (٣).

والثاني: أن التصديق قول في النفس يتضمن المعرفة، وهو اختيار ابن الباقلاني، وابن الجويني. وهؤلاء قد صرحوا بأنه يتضمن المعرفة، ولا يتصور أن يقوم في النفس تصديق مخالف لمعرفة كما ذكروه، ولو جاز أن يصدق بنفسه بخلاف علمه واعتقاده لانتقض أصلهم في الإيمان، إذا كان التصديق لا ينافي اعتقاد خلاف ما صدق به، فلا يجب أن يكون مؤمنا بمجرد تصديق النفس على هذا التقدير، وكل من القولين ينقض ما استدل به على أن التصديق غير العلم" (٤).

ثانياً: قال الأنصاري: "وحكى الإمام أبو القاسم الإسفراييني اختلافا عن أصحاب أبي الحسن في التصديق، ثم قال:

والصحيح من الأقاويل في معنى التصديق ما يوافق اللغة؛ لأن التكليف بالإيمان ورد بما يوافق اللغة.

والإيمان بالله ورسوله على موافقة اللغة هو: العلم بأن الله ورسوله صادقان في جميع ما أخبرا به. والإيمان في اللغة مطلقا هو: اعتقاد صدق المخبر في خبره؛ إلا أن الشرع جعل هذا التصديق علما، ولا يكفي أن يكون اعتقادا من غير أن يكون علما؛ لأن من صدق الكاذب واعتقد صدقه فقد آمن به، ولهذا قال في صفة اليهود: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء: ٥١]، يعني: يعتقدون صدقهما" (٥).

ثالثا: قال الجويني: "والمرضي عندنا: أن حقيقة الإيمان: التصديق بالله، فالمؤمن بالله من صدقه.


(١) يعني الباقلاني. انظر: ((المسامرة بشرح المسايرة))، (ص٢٣) من الخاتمة.
(٢) ((الإيمان)) (ص١٤٠) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٥ - ١٤٦)؛ و ((التسعينية)) (٢/ ٦٤٩)، وهو في: ((شرح الإرشاد)) (٢٧٨/ب – ٢٧٩/أ).
(٣) وقد صرح التفتازاني أن الأشعري قد يميل إلى هذا القول. انظر: ((شرح المقاصد)) (٥/ ١٧٧).
(٤) ((التسعينية)) (٢/ ٦٤٩ - ٦٥١).
(٥) ((التسعينية)) (٢/ ٦٥١ - ٦٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>