للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفصل الخطاب في هذا الباب: أن اسم الإيمان قد يذكر مجردا، وقد يذكر مقرونا بالعمل الصالح، أو بالإسلام. فإذا ذكر مجردا: تناول الأعمال، كما في الصحيحين: ((الإيمان بضع وستون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (١)، وفيهما: أنه قال لوفد عبد القيس: ((آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله , وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتعطوا من المغنم الخمس)) (٢).وإذا ذكر مع الإسلام، كما في حديث جبريل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، ففرق بينهما، فقال: ((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله)) إلى آخره، (٣). وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام علانية، والإيمان في القلب)) (٤). فلما ذكرهما جميعا: ذكر أن الإيمان في القلب، والإسلام ما يظهر منه الأعمال" (٥).

وفي شرح مطول لمعنى الإيمان حال الإفراد، وحال اقترانه بغيره يقول رحمه الله:

"وأما إذا قيد الإيمان، فقرن بالإسلام، أو بالعمل الصالح، فإنه قد يراد به ما في القلب من الإيمان باتفاق الناس.

وهل يراد به أيضا المعطوف عليه، ويكون من باب عطف الخاص على العام، أو لا يكون حين الاقتران داخلا في مسماه، بل يكون لازما له على مذهب أهل السنة، أو لا يكون بعضا ولا لازما؟ هذا فيه ثلاثة أقوال الناس، ... ، وهذا موجود في عامة الأسماء، يتنوع مسماها بالإطلاق والتقييد" (٦).

ثم ذكر أمثلة على هذا التنوع، ثم قال:

"وهذه الأسماء تختلف دلالتها بالإطلاق والتقييد والتجريد والاقتران، تارة يكونان إذا أفرد أحدهما أعلم من الآخر، كاسم الإيمان والمعروف مع العمل والصدق، وكالمنكر مع الفحشاء ومع البغي، ونحو ذلك. وتارة يكونان متساويين في العموم والخصوص، كلفظ الإيمان والبر والتقوى، ولفظ الفقير والمسكين، فأيها أطلق تناول ما يتناوله الآخر" (٧).

ثم قال شيخ الإسلام بعد شرحه بعض الأمثلة:"وهذا باب واسع يطول استقصاؤه، وهو من أنفع الأمور في معرفة دلالة الألفاظ مطلقا، وخصوصا ألفاظ الكتاب والسنة، وبه تزول شبهات كثيرة، كثر فيها نزاع الناس، من جملتها مسألة الإيمان والإسلام" (٨).

وبعد هذا التأصيل شرع شيخ الإسلام في تحرير أنواع العطف في القرآن، وسائر الكلام؛ ليصل من بعده إلى نوعه بين الإيمان والعمل، فقال:

"وعطف الشيء على الشيء في القرآن، وسائر الكلام، يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، مع اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي ذكر لهما.

والمغايرة على مراتب: أعلاها: أن يكونا متباينين، ليس أحدهما هو الآخر، ولا جزؤه، ولا يعرف لزومه له (٩).


(١) رواه البخاري (٩) , ومسلم (٣٥) واللفظ له, من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٥٠) , ومسلم (٩) من حديث ابن عباس رضي الله عنه. واللفظ للبخاري.
(٣) رواه البخاري (٧٥٥٦) , ومسلم (١٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه أحمد (١٢٤٠٤) (٣/ ١٣٤) , من حديث أنس رضي الله عنه, قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٥٧): رجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون, وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٢٢٨٠).
(٥) ((الفتاوى)) (١٨/ ٢٧١ - ٢٧٢).
(٦) ((الإيمان)) (ص١٥٣ - ١٥٤) ((الفتاوى)) (٧/ ١٦٢).
(٧) ((الإيمان)) (ص١٥٩) ((الفتاوى)) (٧/ ١٦٧)؛ وانظر: مجموعة ((الفتاوى الكبرى)) (٢/ ٣١٦).
(٨) ((الإيمان)) (ص١٦١) ((الفتاوى)) (٧/ ١٦٩).
(٩) أي لا يكون بينهما تلازم. انظر: ((شرح الطحاوية)) (٢/ ٤٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>