للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا قرن اسم الإيمان بالإسلام أو العمل كان ذلك دالا على الباطن فقط، وإن أفرد اسم الإيمان، فقط يتناول الباطن والظهر، وبهذا تأتلف النصوص. فقوله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) (١).، أفرد لفظ الإيمان فدلخ فيه الباطن والظاهر. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر - ذكره مع قوله صلى الله عليه وسلم- أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت)) (٢)، فما قرنه باسم الإسلام ذكر ما يخصه، فالاسم في ذلك الحديث مجرد عن الاقتران، وفي هذا الحديث مقرون باسم الإسلام".

ثم ذكر شيخ الإسلام تنوع دلالة اسم الإسلام حال إفراده، وحال اقترانه باسم الإيمان، ثم قال:"ومن علم أن دلالة اللفظ تختلف بالإفراد والاقتران، كما في اسم الفقير والمسكين، والمعروف والمنكر والبغي، وغير ذلك من الأسماء، كما في لغات سائر الأمم، عربها وعجمها، زاحت عنه الشبهة في هذا الباب" (٣).

وقال: "فاسم الإيمان تارة يطلق على ما في القلب من الأقوال القلبية والأعمال القلبية، مثل التصديق والمحبة والتعظيم ونحو ذلك، وتكون الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة لوازمه وموجباته ودلائله.

وتارة على ما في القلب والبدن جعلا لموجب الإيمان ومقتضاه داخلا في مسماه.

وبهذا يتبين أن الأعمال الظاهرة تسمى إسلاما، فإنها تدخل في مسمى الإيمان تارة، ولا تدخل فيه تارة.

وذلك أن الاسم الواحد تختلف دلالته بالإفراد والاقتران، فقد يكون عند الإفراد فيه عموم لمعنيين، وعند الاقتران لا يدل إلا على أحدهما، كلفظ الفقير والمسكين، إذا أفرد أحدهما تناول الآخر، وإذا جمع بينهما كان لكل واحد مسمى يخصه ثم قال:"والأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة موجب الأعمال الباطنة ولازمها، وإذا أفرد الإيمان، فقد يتناول هذا وهذا، كما في قوله ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (٤).وحينئذ فيكون الإسلام داخلا في مسمى الإيمان، وجزءا منه، فيقال حينئذ: إن الإيمان اسم لجميع الطاعات الباطنة والظاهرة" (٥).

وقال رحمه الله: "وهذا الباب يكون تارة مع كون أحدهما بعض الآخر، فيعطف عليه تخصيصا له بالذكر؛ لكونه مطلوبا بالمعنى العام والمعنى الخاص.

وتارة تتنوع دلالة الاسم بحال الإفراد والاقتران، فإذا أفرد عم، وإذا قرن بغيره خص.

كاسم الفقير والمسكين، لما أفرد أحدهما في مثل قوله: لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ [البقرة: ٢٧٣]، وقوله: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة: ٨٩] دخل فيه الآخر، ولما قرن بينهما في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: ٦٠] صارا نوعين.

وقد قيل: إن الخاص المعطوف على العام لا يدخل في العام حال الاقتران، بل يكون من هذا الباب.

والتحقيق أن هذا ليس لازما.


(١) رواه البخاري (٩) , ومسلم (٣٥) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, واللفظ لمسلم.
(٢) رواه مسلم (٣٥) , من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(٣) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٧٥ - ٥٧٦)، (ص٤٨١ – ٤٨٣) ط. دار ابن الجوزي باختصار.
(٤) رواه البخاري (٩) , ومسلم (٣٥) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, واللفظ لمسلم.
(٥) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٥١ - ٥٥٢)، (ص٤٤٢ – ٤٤٣) ط. ابن الجوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>