للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة: ٩٨]، وقوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب: ٧]، وذكر الخاص مع العام يكون لأسباب متنوعة:

تارة لكونه له خاصية ليست لسائر أفراد العام، كما في نوح وإبراهيم وموسى وعيسى.

وتارة لكون العام في إطلاق قد لا يفهم منه العموم، كما في قوله: هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ [البقرة: ٢ - ٤]، فقوله: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يتناول كل الغيب الذي يجب الإيمان به، لكن فيه إجمال، فليس فيه دلالة على أن من الغيب ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، وقد يكون المقصود أنهم يؤمنون بالمخبر به وهو الغيب وبالإخبار بالغيب وهو ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك. ومن هذا الباب قوله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ [العنكبوت: ٤٥]، وقوله تعالى وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ [الأعراف: ١٧٠]، وتلاوة الكتاب هي أتباعه والعمل به" (١).وكلام شيخ الإسلام في تقرير هذا الجواب كثير (٢)، وكان من المهم إيراد هذا العدد من النقول عنه رحمه الله في رد هذه الشبهة الإرجائية، ويمكن تلخيص ما تقدم بأن يقال:

إن مجيء لفظ الإيمان في النصوص له حالان:

الحال الأولى: أن يذكر الإيمان مفردا، مجردا، مطلقا.

فهنا يكون معنى الإيمان متناولا للباطن والظاهر، من القول والعمل.

الحال الثانية: أن يذكر مقيدا ومقرونا بغيره.

وهنا يكون معنى الإيمان هو ما في القلب، ثم إن المقترن به والمعطوف عليه، وهو العمل، لا يخلو من احتمالين:

أحدهما: أن يكون جزءاً من الإيمان، داخلا في مسماه، وإنما عطف عليه تخصيصا له بالذكر، من باب عطف الخاص على العام.

والثاني: أن يكون غير داخل في مسماه، لكنه من لوازمه وموجباته ومقتضياته ودلائله، فالإيمان ما دام موجودا لزم ضرورة حصول العمل، ولا يمكن وجود الإيمان بدون العمل.

وتتميما لفقه المسألة أبان شيخ الإسلام عن أن مجيء اسم الإيمان في النصوص أكثره مقيدا، وأنه إن جاء مطلقا فهو مفسر بما يبينه. يقول رحمه الله تعالى: "ولفظ الإيمان أكثر ما يذكر في القرآن مقيدا، فلا يكون ذلك اللفظ متنا ولا لجميع ما أمر الله به، بل يجعل موجبا للوازمه، وتمام ما أمر به، وحينئذ يتناوله الاسم المطلق" (٣).

ويقول: "القرآن ليس فيه ذكر إيمان مطلق غير مفسر، بل لفظ الإيمان فيه إما مقيد، وإما مطلق مفسر.


(١) ((العبودية))، ضمن: ((الفتاوى)) (١٠/ ١٧٤ - ١٧٥).
(٢) انظر: ((الإيمان)) (ص٤٩ - ٨٣) ((الفتاوى)) (٧/ ٥٣ - ٨٧)؛ و ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٥٥)، (ص٤٤٦) ط. ابن الجوزي؛ و ((الفتاوى)) (٧/ ٦٤٨ - ٨/ ٣١٥ – ٣١٦ – ١٥/ ٣٤٧ – ٣٤٨ – ١٦/ ١٦٦ – ١٨/ ٢٧٥ – ٢٧٦ – ٣٢/ ٣٠٦)؛ ومجموعة ((الفتاوى الكبرى)) (١/ ٣٥١، ٢/ ٢٧١ - ٢٧٢)؛ و ((جامع الرسائل)) (١/ ٩١ - ٩٢)؛ و ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٧٥ - ٥٧٧)، (ص١٣٨ – ١٤٢) ت مخلوف.
(٣) ((الإيمان)) (ص٢١٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>