للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشيخ الإسلام يصف هذا الإيمان الذي يقتضي أثرا في الظاهر بالإيمان الجازم، وبالإيمان القلبي التام، وبالإيمان التام في القلب، وبالإيمان المقبول، وبإيمان القلب التام، وبالإيمان الواجب في القلب، وبإيمان القلب الواجب، وبالإيمان الباطن، وبالإيمان الواجب، وبالإيمان الصحيح، وبالإيمان الثابت في القلب، وبالإيمان الحقيقي.

فكل هذه الأوصاف أطلقها شيخ الإسلام على الإيمان المقتضي قولا وعملا في الظاهر، وهذا لا يكون إلا من الإيمان الذي حصل فيه قول القلب وعمله، وسلم من الشبهات والشهوات، وبحسب سلامته في الباطن يكون استسلامه في الظاهر.

يقول رحمه الله: "وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانا جازما امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام".ثم قال: "إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحسب القدرة" (١).ثم ذكر أن من الغلط ظن الظان أن الإيمان المقبول يمكن تخلف القول الظاهر، والعمل الظاهر عنه (٢).

ويقول: "فمن أراد الطاعة، وعلم أنها تنفعه أطاع قطعا، إذا لم يكن عاجزا، فإن نفس الإرادة الجازمة للطاعة مع القدرة توجب الطاعة، فإنها مع وجود القدرة والداعي التام توجب وجود المقدور. فإذا كانت الطاعة بالتكلم بالشهادتين، فمن أراد ذلك إرادة جازمة فعله قطعا؛ لوجود القدرة والداعي التام، ومن لم يفعله علم أنه لم يرده" (٣).ويقول: "جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع" (٤).

وذكر أن من أكبر غلط المرجئة "ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال؛ ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه، بمنزلة السبب مع المسبب، ولا يجعلونها لازمة له. والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر" (٥).وذكر أيضاً أن الإيمان الذي في القلب من التصديق والحب وغير ذلك يستلزم الأمور الظاهرة من الأقوال الظاهرة والأفعال الظاهرة، كما أن القصد التام مع القدرة يستلزم وجود المراد، وأنه يمتنع مقام الإيمان الواجب في القلب من غير ظهور موجب ذلك ومقتضاه (٦).ويقول: "أصل الإيمان هو ما في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولا للملزوم واللازم، وإن كان أصله ما في القلب" (٧).ويقول: "فالسلف يقولون ترك الواجبات الظاهرة دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب" (٨).وذكر رحمه الله أن مذهب السلف وأهل السنة أنه متى وجد الإيمان الباطن وجدت الطاعات (٩).


(١) ((الإيمان الأوسط)) (٧/ ٥٥٣)، (ص٤٤٤ - ٤٤٥) ط. ابن الجوزي.
(٢) ((الإيمان الأوسط)) (٧/ ٥٥٤)، (ص٤٤٥) ط. ابن الجوزي.
(٣) ((منهاج السنة)) (٣/ ٦٩ – ٧٠)، ويلحظ أنه هنا مثل على الطاعة بالتكلم بالشهادتين، وقد سبق أنه مثل بالصلاة، فمن أراد جازما أن يصلي صلى، وهكذا الحكم في بقبة الطاعات. راجع (ص٢٩٥).
(٤) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٦١٦)، (ص٥٦٧) ط. ابن الجوزي.
(٥) ((الإيمان)) (ص١٩٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٠٤)؛ ونحوه فيه، (ص٢٠) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٣ - ٢٤).
(٦) ((الإيمان الأوسط))، ضمن ((الفتاوى)) (٧/ ٥٧٥)، (ص٤٨١) ط. ابن الجوزي.
(٧) ((الإيمان)) (ص١٨٦ - ١٨٧) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٨).
(٨) ((الإيمان)) (ص١٤٢) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٨).
(٩) انظر: ((الإيمان)) (ص ٣٤٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٦٣)، و ((الإيمان الأوسط)) (٧/ ٦٠٩) (ص٥٥٢) ط ابن الجوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>