للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا التحقيق في علاقة الباطن بالظاهر يتبين: أن "الظاهر تابع للباطن، لازم له، متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد" (١).وأن أعمال القلب لابد أن تؤثر في عمل الجسد (٢)، ولا تتم إلا بها (٣)."وأن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب الله ورسوله وتعظيم لابد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس، وهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن" (٤).وأن "ما يستقر في القلب من إيمان ونفاق لابد أن يظهر موجبه في القول والعمل، كما قال بعض السلف: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على وجهه، وفلتات لسانه (٥) " (٦).وأن "العمل الظاهر هو موجب إيمان القلب ومقتضاه، فإذا حصل إيمان القلب حصل إيمان الجوارح ضرورة" (٧)"أن الإيمان يستلزم العمل الظاهر بحسبه، كقوله تعالى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: ٤٧ - ٥١]، فنفي الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا من لوازم الإيمان" (٨).وأن "الإيمان ليس مجرد التصديق، بل لابد من أعمال قلبية تستلزم أعمالا ظاهرة" (٩).وأن "من قال إنه يصدق الرسول ويحبه ويعظمه بقلبه، ولم يتكلم قط بالإسلام، ولا فعل شيئا من واجباته بلا خوف، فهذا لا يكون مؤمنا في الباطن، وإنما هو كافر" (١٠).وأن "المؤمن إنما فارق الكفر بالإيمان بالله وبرسله، وبتصديقهم فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا، وأتباع ما يرضاه الله ويحبه، دون ما يقضيه ويقدره من الكفر والفسوق والعصيان" (١١).فالعبد إذا خلا عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا، فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل، لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئا، فما دان لله دينا، ومن لا دين له فهو كافر (١٢).

والمسلم "إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره، والانقياد لأمره.

وإذا قال: وأشهد أن محمدا رسول الله، تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله.


(١) ((الإيمان)) (ص١٧٧) ((الفتاوى)) (٧/ ١٨٧)؛ وانظر منه، (ص٢٠٨)، (٢٧٩) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٢٠، ٢٩٤)؛ و ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٥٤)، (ص٤٤٦) ط. دار ابن الجوزي.
(٢) أنظر: ((جامع المسائل)) (٤/ ٣٧٩).
(٣) انظر: ((الفتاوى)) (٢٦/ ٢٥)؛ وانظر منها (٢/ ٣٨٢).
(٤) ((الجواب الصحيح)) (٦/ ٤٨٧)؛ وانظر منه (٦/ ٤٧١).
(٥) الأثر ذكره شيخ الإسلام عن عثمان بن عفان في ((الاستقامة)) (١/ ٣٥٥)؛ و ((الجواب الصحيح)) (٦/ ٤٨٧)، وجزم بنسبته إلى عثمان في ((الفتاوى)) (١٤/ ١٢١).
(٦) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦٢٠)، (ص٥٧٥) ط. ابن الجوزي.
(٧) مجموعة ((الفتاوى الكبرى)) (٢/ ٢٧٢).
(٨) ((الإيمان)) (ص٢٠٨ - ٢٠٩) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٢١).
(٩) ((الإيمان)) (ص٢٩٠) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٠٦)؛ وانظر: ((الفتاوى)) (٢٦/ ٢٦).
(١٠) ((الفتاوى)) (١٤/ ١٢٠).
(١١) ((الاستقامة)) (٢/ ٧٩).
(١٢) انظر: ((شرح العمدة - الصلاة)) (ص٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>