للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - احتجوا بحديث الإسلام يزيد ولا ينقص: قال الكشميري "وروي عن إمامنا الأعظم رحمه الله تعالى أن الإيمان يزيد ولا ينقص، وكأنه مأخوذ مما روي عند أبي داود في تاب الفرائض عن معاذ بن جبل: "أنه ورث المسلم عن الكافر ولم يورثه من السلم وقال الإسلام يزيد ولا ينقص" قيل في شرحه أي يعلو ولا يعلى" (١).

٣ - واحتجوا بأن المعاصي لا تحبط الطاعات وإذا لم تحبطها فلا نقصان يحلق الإيمان:

قال الحليمي: "ومن ذهب إلى أن الإيمان يزيد ولا ينقص فإنه يقول أصله يتكثر بفروعه، وفروعه تتكثر بعضها، والمعاصي لا تحبط الطاعات، وإذا لم تحبطها فلا نقصان يحلق الإيمان. والدليل على صحة ذلك أن فروع الإيمان متأيدة بأصلها، فما لا يحبط أصلها لا يحبطها، لأن الفروع لا تتميز عن أصلها، فإذا لم يجز وجود الكفر مع الإيمان، لم يجز وجود فروعه مع الإيمان، ولأن طاعات المؤمن إنما كانت فروع الإيمان لوجودها في الإيمان المحرك عليها، كذلك معاصي الكافر فروع للكفر لأن كفره هو المحرك له عليها، وقد علمنا أن الأفعال الحسنة في أنفسها إذا وجدت من الكافر لم تكن فروع الإيمان، ولأن طاعات المؤمن لما كانت فروع الإيمان كانت إيماناً، فلو كانت سيئاته فروع الكفر فلتكن كفراً" (٢).

فهذا ما وقفت عليه من أدلة لهؤلاء، ولهم شبه أخرى يوافقون فيها من قال إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فيأتي ذكرها ونقضها هناك.

والرد على هذه الأدلة من وجهين مجمل ومفصل:

أما المجمل:

١ - فيقال: إن زيادة الإيمان ثابتة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وهم يقولون بها، فإذا ثبتت الزيادة، فالنقصان ثابت باللزوم، لأن الزيادة تستلزم النقص، ولأن قبول الشيء للزيادة يستدعي قبوله للنقص، ولأن الزيادة لا تكون إلا عن نقص، وسبق أن نقلت عن أهل العلم الإمام أحمد وابن حزم وابن بطال والبيهقي وابن حجر وغيرهم ما يؤيد هذا، فأغنى عن إعادته هنا.

فالزيادة إن كانت ثابتة من نص القرآن منطوقاً فهي ثابتة من نصه مفهوماً، بل إن بعض أهل العلم يرى أنها ثابتة من نصه منطوقاً. ولهذا لما قال الكشميري "وليعلم أن القرآن لا يدل بمنطوقه إلا على زيادة الإيمان، أما على نقصانه فلا، إلا أن يؤخذ عنه بالزوم، ويقال إن الإيمان إذا ثبتت فيه الزيادة أمكن فيه النقصان أيضاً" (٣).

تعقبه الشيخ ابن عبدالحق النورفوري بقوله: "إن دلالة اللفظ على ما وضع له، أو جزئه، أو لازمه المتأخر عبارة إن سبق له، وإلا فإشارة، وعلى لازمه المتقدم اقتضاء، ولا ريب أن هذه الثلاث من المنطوق.

قال في إرشاد الفحول في الباب الثامن من المقصد الرابع منه: "والحاصل أن الألفاظ قوالب للمعاني المستفادة منها، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحاً، وتارة من جهته تلويحاً، فالأول المنطوق، والثاني المفهوم، والمنطوق ينقسم إلى قسمين:

الأول: ما لا يحتمل التأويل، وهو النص.


(١) ((فيض الباري)) (١/ ١٣٧).
(٢) ((المنهاج في شعب الإيمان)) (١/ ٦٩).
(٣) ((فيض الباري)) (١/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>