للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: ما يحتمله، وهو الظاهر. والأول أيضاً ينقسم إلى قسمين، صريح إن دلل عليه اللفظ بالمطابقة أو التضمن، وغير صريح إن دل عليه بالالتزام، وغير الصريح ينقسم إلى دلالة اقتضاء وإيماء وإشارة، فدلالة الاقتضاء هي إذا توقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه مع كون ذلك مقصود التكلم ... إلخ؟ " (١).والاستثناء في قوله - أي الكشميري -: "أما على نقصانه فلا إلا أن يؤخذ عنه باللزوم" متصل، فظهر أن القرآن يدل على النقصان بمنطوقه، كما يدل على الزيادة بمنطوقه، إلا أن دلالته على الزيادة من قبيل العبارة، وعلى النقصان من باب الاقتضاء أو الإشارة، فالحق أن الإيمان إذا ثبت فيه الزيادة ثبت فيه النقصان البتة لا كمال قال: أمكن فيه النقصان" (٢).قلت: وهذا تعقب محرر جداً، ووجه آخر في الرد وهو ما جاء عن ابن عيينة رحمه الله تعالى قال: "نطق القرآن بزيادة الإيمان ونقصانه، قوله تعالى: زَادَتْهُمْ إِيمَانًا فهذه زيادة الإيمان، وقوله تعالى: فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: ١٢٥] فهذا نقصان الإيمان" (٣).

والمقصود أن القرآن الكريم كما أنه دل على زيادة الإيمان فهو يدل على نقصه، ومن أخذ بدلالته على الزيادة وترك دلالته على النقص فقد عطل القرآن عن دلالاته، وتناقض فيما يأتي ويذر. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بعد أن ذكر جملة من الآيات المصرحة بزيادة الإيمان: "وهذه الآيات المذكورة نصوص صريحة في أن الإيمان يزيد مفهوم منها أن ينقصه أيضاً، كما استدل بها البخاري رحمه الله على ذلك، وهي تدل عليه دلالة صريحة لاشك فيها، فلا وجه معها للاختلاف في زيادة الإيمان ونقصه كما ترى، والعلم عند الله" (٤).٢ - ويقال أيضاً إن النقص مصرح به في السنة، كما في الحديث الصحيح الثابت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) (٥).فهذا الحديث نص في نقصان الإيمان، فالحديث حجة قاصمة لظهر كل من قال إنه لا ينقص وشجاً في حلقه إلا أن يدع قوله، قال ابن حزم: "وقد جاء النص بذكر النقص، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور المنقول نقول الكواف أنه قال للنساء: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم منكن)) (٦) " (٧).وأيضاً: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ((من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) (٨).

فقوله صلى الله عليه وسلم: ((وذلك أضعف الإيمان)) صريح أن الإيمان يضعف نقصان بلا ريب؛ ولذا احتج به أهل العلم على زيادة الإيمان ونقصانه كما سبق بيانه.

قلت: فلا مجال بعد قوله صلى الله عليه وسلم لعقل ولا رأي إلا القبول والتسليم، لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فهو صلى الله عليه وسلم يخبر بصريح العبارة أن الإيمان يضعف وينقص، فلا يجوز لمن كان يؤمن به أن يقول لا ينقص، معارضاً برأيه قول رسول الله الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.


(١) ((إرشاد الفحول)) (ص١٥٦).
(٢) ((إرشاد القاري)) (١/ ٣٧٤) مخطوط.
(٣) رواه الجورقاني في ((الأباطيل)) (١/ ٣٤).
(٤) ((أضواء البيان)) (٤/ ٢٩).
(٥) رواه البخاري (٣٠٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, ومسلم (٧٩) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (٣٠٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, ومسلم (٧٩) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٧) ((الفصل)) (٣/ ٢٣٧).
(٨) رواه مسلم (٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>