للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإبراهيم الخليل عليه السلام لما قال: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى [البقرة: ٢٦٠] وأراه الله، زاد تصديقه وإيمانه، وبلغ درجة الإطمئنان ولم يكن شاكاً قبل ذلك حاشاه عليه السلام فلا تلازم بين شك والنقص، فقد يوجد أحدهما دون أن يلزم من ذلك وجود الآخر، .....

وأما مناقضته للواقع: فإن الواقع يشهد لبطلان ذلك، فإن من الناس من يكون تصديقه قوياً معتمداً على الحجج والبراهين، بالغاً أعلى درجات اليقين، لا تزعزعه الشبهات ولا تصرفه، ومنهم من يكون تصديقه ضعيفاً بحيث تزعزعه الشبه وتصرفه، فإن سلم منها بقيي على تصديقه الضعيف ولا يعد شاكاً، فشتان بين هذا وذاك.

ثم إن هذا أمر يحسه كل أحد من نفسه، فإن المرء أحياناً يكون تصديقه، قوياً، وأحياناً يكون ضعيفاً، وهو في كلا الحالين مصدق، وما ذاك إلا لأن التصديق يقبل التفاضل والزيادة والنقصان في الشخص الواحد، وكذلك يتفاضل من شخص لآخر، فمن كان تصديقه أكمل فهو أفضل من الآخر الذي تصديقه أنقص، والمقصود أن التصديق كما أنه يزيد فهو ينقص بلا ريب.

أقول ما تقدم جدلاً على فرض أن الإيمان هو التصديق، أما الإيمان فهو وراء ذلك، بل هو التصديق والقول والعمل كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة، فالإيمان ينقص بنقص العمل وبفعل المعاصي وبغير ذلك، ولا يلزم من نقصه في ذلك أن يكون شكاً أو كفراًن بل بحسب المعصية فإن كانت المعصية المرتكبة كفراً كفر، وإن كانت كبيرة نقص كمال إيمانه الواجب، وإن كان مستحباً تزكها نقص كمال إيمانه المستحب، فلا يلزم من ارتكاب المعصية كفر المرتكب، إلا على مذهب الخوارج.

ثم يقال لهؤلاء إن كان التصديق على قولكم يقبل الزيادة ولا يقبل النقصان أخبرونا عن حاله قبل حصول الزيادة أكان ناقصاً أو كاملاً؟

فإن كان كاملاً فما وجه الزيادة فيه وهو كامل، وإن كان ناقصاً وهو كذلك خصمتم، وبهذا يظهر تناقضهم، وتهافت قولهم، وبالله التوفيق.

ثانياً - أما إحتجاجهم بحديث الإسلام يزيد ولا ينقص:

فمنتقض من وجهين:

الأول: أن الحديث ضعيف لا يحتج به، فقد أخرجه أو داود (١) وأحمد (٢) والطيالسي (٣) والحاكم في المستدرك (٤) والبيهقي في السنن (٥)، والجورقاني في الأباطيل (٦) كلهم من طريق عمرو بن حكيم عن عبدالله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدؤلي عن معاذ بن جبل أنه أتي في ميراث يهودي وارثه مسلم، فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الإسلام يزيد ولا ينقص)) فورثه منهم.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قال الألباني حفظه الله: "لكنه معلول بالانقطاع، فقد أخرجه أبو داود من طريق عبدالوارث عن عمرو بن أبي حكيم الواسطي: ثنا عبدالله بن بريدة أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر: يهودي ومسلم، فورث المسلم منهما وقال: حدثني أبو الأسود أن رجلاً حدثه أن معاذاً حدثه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، فورث المسلم.


(١) انظر ((سنن أبي داود)) (٢٩١٢).
(٢) انظر ((المسند)) (٥/ ٢٣٦) (٢٢٠٥٨).
(٣) انظر ((مسند الطيالسي)) (١/ ٧٧).
(٤) انظر ((المستدرك)) (٤/ ٣٨٣).
(٥) انظر ((سنن البيهقي)) (٦/ ٢٥٤).
(٦) انظر ((الأباطيل)) (٢/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>