للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا يدل على أنا أبا الأسود لم يسمعه من معاذ، بينهما رجل لم يسم، فهو مجهول، فهو علة الحديث، وبه أعله البيهقي، فقال بعد أن ساقه من طريق أبي داود: "وهذا رجل مجهول، فهو منقطع"، وقال الحافظ في الفتح ١٢/ ٤٣ بعد ما ذكر تصحيح الحاكم له: "وتعقب بالانقطاع بين الأسود ومعاذ، لكن سماعه منه ممكن، وزعم الجورقاني أنه باطل، وهي مجازفة".قلت: الذي يبدو لي أن حكم الجورقاني عليه بأنه باطل، إنما هو باعتبار ما فيه من توريث المسلم من اليهودي الكافر، فإن الأحاديث الصحيحة على خلاف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتوارث أهل ملتين شتى)) (١) , وهو مخرج مع غيره مما في معناه في كتابي إرواء الغليل" اهـ (٢).والحديث أعله المناوي بالانقطاع (٣).وأخرجه الجورقاني في الأباطيل (٤) من طريق أخرى عن محمد بن المهاجر البغدادي قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عمرو بن كردي عن يحيي بن يعمر عن معاذ بن جبل: فذكره.

قال الجورقاني: هذا باطل. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (٥)، واتهم بوضعه محمد بن المهاجر، وقال: قال ابن حبان: كان يضع الحديث، وقد رواه فغير إسناده ولفظه. ونازعه في ذلك السيوطي في اللآلئ (٦)، وذكر طريقه المتقدمة وطريقاً أخرى وليس فيهما محمد بن المهاجر. وعلى كل فالحديث ضعيف لا يحتج به.

الوجه الثاني:

وعلى فرض صحته، فإن الحديث معناه على غير ما فهمه هؤلاء من أنه يدل على أن الإيمان يزيد ولا ينقص، وإنما هو في باب آخر غير هذا، كما هو واضح من بيان أهل العلم للحديث. فقد قيل في معناه: "أي: أن حكم الإسلام يغلب ومن تغليبه أن يحكم للولد بالإسلام بإسلام أحد أبويه" (٧) قاله عبدالوارث بن سعيد. وقال البيهقي: "وإن صح الخبر فتأويله غير ما ذهب إليه - يعني: معاذ في توريثه للمسلم من الكافر محتجاً لذلك بهذا الحديث - إنما أراد أن الإسلام في زيادة ولا ينقص بالردة" (٨).وقيل: "أي: يزيد بما يفتح من البلاد، ولا ينقص بما غلب عليه الكفرة منها" (٩).

أما ما فهمه معاذ رضي الله عنه من الحديث على فرض صحته من أنه يدل على أن المسلم يرث من الكافر من غير عكس فهو معارض بالأحاديث الصحيحة الثابتة في أنه لا يتوارث أهل ملتين فلا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر. ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم)) (١٠).

وما ذهب إليه بعض أهل العلم: أنا نرث أهل الكتاب ولايرثونا، ما يحل النكاح فيهم ولا يحل لهم، وبه قال مسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وإسحاق.

فمردود بأنه قياس في معارضة النص وهو صريح في المراد ولا قياس مع وجوده، بهذا أجاب الجمهور. وعلى كل فالحديث ليس نصاً في المراد بل هو محمول على أنه يفضل غيره من الأديان، ولا تعلق له بالإرث (١١).


(١) رواه أبو داود (٢٩١١) وابن ماجه (٢٧٣١) من طريق عمرو بن شعيب, ورواه الترمذي (٢١٠٨) من حديث جابر رضي الله عنه, والحديث سكت عنه أبو داود, وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (١٢٩) , وقال أحمد شاكر في تحقيقه لـ ((مسند أحمد)) (١٠/ ١٤٦): إسناده صحيح, وصححه الألباني.
(٢) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (٣/ ٢٥٢، ٢٥٣)، وانظر ((الإرواء)) (٥/ ١٠٦).
(٣) انظر ((التيسير)) للمناوي (١/ ٤٢٤)، و ((فيض القدير)) له (٣/ ١٧٩).
(٤) (٢/ ١٥٦).
(٥) (٣/ ٢٣٠).
(٦) (٢/ ٤٤٢).
(٧) انظر ((سنن البيهقي)) (٦/ ٢٠٥).
(٨) انظر ((سنن البيهقي)) (٦/ ٢٥٥).
(٩) انظر ((عون المعبود)) (٨/ ١٢٣).
(١٠) رواه البخاري (٦٧٦٤) , ومسلم (١٦١٤).
(١١) انظر ((فتح الباري)) (١٢/ ٥٠، ٥١)، و ((شرح مسلم)) للنووي (١١/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>