للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحديث لا يدل على توريث المسلم من الكافر، ولا يدل على أن الإيمان يزيد ولا ينقص على المعنى الذي فهمه هؤلاء، بل المراد به أن الإسلام له الغلبة دائماً وأنه يعلو ولا يعلى. وهذه اللفظة "الإسلام يعلو ولا يعلى" ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الألباني في الإرواء فقد استوفى طرق الحديث ثم قال: "وجملة القول أن الحديث حسن مرفوعاً بمجموع طريقي عائد ومعاذ، وصحيح موقوفاً، والله أعلم" (١).

قلت: فعلى هذا المعنى يحمل حديث معاذ إن صح، والله اعلم.

وبهذا ينتقض احتجاجهم به، ولله الحمد.

ثالثا: احتجاجهم بأن المعاصي لا تحبط الطاعات وإذا لم تحبطها فلا نقصان يلحق الإيمان ... إلخ.

وقولهم هذا باطل، فهو في جملته يعارض الحق الثابت في الكتاب والسنة في الإيمان وأنه يقبل النقصان كما يقبل الزيادة، ومفاد هذه التعليلات إبطال ذلك وتقرير أن الإيمان يقبل الزيادة فقط دون النقصان.

وهذا تحكم في نصوص الشرع، وإدلاء بالعقل في مقابل النص!

فهل تكفي مثل هذه التعليلات العقلية حجة في أمر يناقض الكتاب والسنة ويخالفهما؟؟

ثم إن قولهم هذا متضمن في ثناياه أموراً باطلة عدة منها:

قولهم: "المعاصي لا تحبط الطاعات" فهذا القول هكذا ليس على إطلاقه فإن من المعاصي الشرك الأكبر وهو يحبط الطاعات بيقين، والمعصية إذا أطلقت تشمل الكفر وغيره، والله لم يجعل شيئاً يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، فكان ينبغي أن يستثنى الشرك الأكبر من هذا الإطلاق.

ثم أمر آخر وهو أن هناك من المعاصي ما هو دون الشرك إلا أنه يبطل بعض الطاعات كالذي يتبع صدقاته بالمن والأذى كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... [البقرة: ٢٦٤].قال ابن كثير: "فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى كما تبطل صدقه من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله ... " (٢).

فالصدقة طاعة والمن والأذى معصية، والذي يتبع صدقاته بالمن والأذى تبطل طاعته، فالمعصية إذن قد تبطل بعض الطاعات، ولهذا فإن قولهم المتقدم ليس على إطلاقه وتحريره أن قال: "المعاصي التي دون الشرك لا تحبط جميع الطاعات" فإذا تبين لك فساد مقدمتهم علمت فساد نتيجتها.

وكذلك قولهم: "إذا لم تحبطها لا نقصان يلحق الإيمان".

قلت: فهذه نتيجة باطلة مبنية على مقدمة فاسدة، ثم إنه لا تلازم بين الأمرين فإن المعاصي وإن لم تحبط الطاعات فقد تؤثر على الإيمان بالنقص كما هو معلوم.

وعلى كل فنقصان الإيمان ثابت شرعاً واقع عرفاً ولا سبل إلى رده بمثل هذه التخرصات والشبه التي لا تغني من الحق شيئاً.

المصدر:زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبد الرزاق البدر - ص ٢٩٣


(١) ((إرواء الغليل)) (٥/ ١٠٦).
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>