للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن فقهاء المرجئة انفردوا عن المرجئة في هذه المسألة بإثبات الزيادة في الإيمان حال نزول الآيات، فلما اكتمل الدين لم تعد هناك زيادة. يقول شيخ الإسلام عنهم: "قالوا: نحن نسلم أن الإيمان يزيد، بمعنى أنه كلما أنزل الله آية وجب التصديق بها، فانضم هذا التصديق إلى التصديق الذي قبله، لكن بعد كمال ما أنزل الله ما بقي الإيمان يتفاضل عندهم، بل إيمان الناس كلهم سواء، إيمان السابقين الأولين كأبي بكر وعمر، وإيمان أفجر الناس كالحجاج وأبي مسلم الخراساني وغيرهما" (١).وهذا الذي فهمه فقهاء المرجئة مردود بأن الصحابة رضوان الله عليهم قد أثبتوا زيادة الإيمان ونقصانه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن كله، فأثبتوا الزيادة بعد كمال الدين (٢).وكمال الدين في قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] لا يعني أن الإيمان لا يتفاضل، بل المراد بالإكمال هنا كما قال شيخ الإسلام: "أي في التشريع بالأمر والنهي، ليس المراد أن كل واحد من الأمة وجب عليه ما يجب على سائر الأمة، وأنه فعل ذلك، بل في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصف النساء بأنهن ناقصات عقل ودين، وجعل نقصان عقلها أن شهادة امرأتين شهادة رجل واحد، ونقصان دينها إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي، وهذا النقصان ليس هو نقصا مما أمرت به، فلا تعاقب على هذا النقصان، لكن من أمر بالصلاة والصوم ففعله كان دينه كاملا بالنسبة إلى هذه الناقصة الدين" (٣).

وبعد هذا، فإن منشأ الغلط في هذه المسألة كما مر في أول كلام شيخ الإسلام عائد إلى أصلهم البدعي المشهور أن الإيمان شيء واحد، لا يتبعض، بل إذا ذهب بعضه ذهب كله، فلما جعلوا الإيمان شيئا واحدا جعلوا الناس فيه متساوين من حيث ما يجب عليهم، ومن حيث ما يقع منهن، فلا يمكن أن يأتي أحد بإيمان لا يأت به الآخر، فالإيمان في حق الجميع واحد، وكل من آمن فقد أتى به. وقالوا إن هذا مثل ما لو تلفظ الفاسق بالشهادتين، أو قرأ فاتحة الكتاب، كان لفظه كلفظ غيره من الناس (٤).

يقول شيخ الإسلام: "وأصل هؤلاء - يعني المرجئة - أن الإيمان لا يتبعض، ولا يتفاضل، بل هو شيء واحد يستوي فيه جميع العباد فيما أوجبه الرب من الإيمان، وفيما يفعله العبد من الأعمال.

فغلطوا في هذا وهذا، ثم تفرقوا كما تقدم، وصار المرجئة على ثلاثة أقوال:


(١) ((الإيمان)) (ص١٨٤) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٥)؛ وفي كون هذا هو توجيه فقهاء المرجئة راجع: ((شرح العقائد)) النسفية، (ص٨١)؛ و ((تبصرة الأدلة)) (٢/ ٨٠٩)؛ وقد ارتضاه بعض المتكلمين، كما في ((أصول الدين))، للغزنوي، (ص٢٥٧)؛ و ((شرح المقاصد)) (٥/ ٢١٤).
(٢) انظر: ((الإيمان)) (ص٢١٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٢٥).
(٣) ((الإيمان)) (ص٢١٩ - ٢٢٠) ((الفتاوى)) (٢٣٢ - ٢٣٣)؛ وانظر: ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٧٧ - ٥٧٨، ص١٣٩ - ١٤٠) ت مخلوف.
(٤) انظر: ((الفتاوى)) (١٣/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>