للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن أمر بحج وجب عليه معرفة ما أمر به من أعمال الحج والإيمان بها، فيجب عليه من الإيمان والعمل ما لا يجب على غيره، وكذلك من أمر بالزكاة يجب عليه معرفة ما أمر به من الزكاة، ومن الإيمان بذلك والعمل به ما لا يجب على غيره، فجيب عليه من العلم والإيمان والعمل ما لا يجب على غيره إذا جعل العلم والعمل ليسا من الإيمان، وإن جعل جميع ذلك داخلا على غيره ثم قال:"وبالجملة فلا يمكن المنازعة أن الإيمان الذي أوجبه الله يتباين فيه أحوال الناس، ويتفاضلون في إيمانهم ودينهم بحسب ذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: ((ناقصات عقل، ودين)) (١)، وقال في نقصان عقلها ودينها: ((أنها إذا حاضت لا تصوم، ولا تصلي)) ثم ختم هذا الوجه بقوله:"فهذا يبين تفاضل الإيمان في نفس الأمر به، وفي نفس الأخبار التي يجب التصديق بها" (٢).

ويقول رحمه الله: "وهؤلاء - يعني المرجئة - غلطوا من وجوه:

أحدها: ظنهم أن الإيمان الذي فرضه الله على العباد متماثل في حق العباد، وأن الإيمان الذي يجب على شخص يجب مثله على كل شخص.

وليس الأمر كذلك، فإن أتباع الأنبياء المتقدمين أوجب الله عليهم من الإيمان ما لم يوجبه على أمه محمد، وأوجب على أمة محمد من الأيمان ما لم يوجبه على غيرهم.

والإيمان الذي كان يجب قبل نزول جميع القرآن ليس هو مثل الإيمان الذي يجب بعد نزول القرآن.

والإيمان الذي يجب على من عرف ما أخبر به الرسول مفصلا ليس مثل الإيمان الذي يجب على من عرف ما أخبر مجملا، فإنه لابد من تصديق الرسول في كل ما أخبر، لكن من صدق الرسول أو مات عقب ذلك لم يجب عليه من الإيمان غير ذلك، وأما من بلغه القرآن والأحاديث، وما فيهما من الأخبار والأوامر المفصلة، فيجب عليه من التصديق المفصل بخبر خبر وأمر أمر، ما لا يجب على من لم يجب عليه إلا الإيمان المجمل لموته قبل أن يبلغه شيء آخر.

وأيضا لو قدر أنه عاش فلا يجب على كل واحد من العامة أن يعرف كل ما أمر به الرسول، وكل ما نهى عنه، وكل ما أخبر به، بل إنما عليه أن يعرف ما يجب عليه هو وما يحرم عليه، فمن لا مال له لا يجب عليه أن يعرف أمره المفصل في الزكاة، ومن لا استطاعة له على الحج ليس عليه أن يعرف أمره المفصل في الحج، ومن لم يتزوج ليس عليه أن يعرف ما وجب للزوجة. فصار ما يجب من الإيمان تصديقا وعملا على أشخاص ما لا يجب على آخرين" (٣).

وحاصل هذا الوجه أن تفاضل الناس فيما أمروا به يتنوع بحسب الأحوال التالية:

الأول: أن الإيمان الواجب على أتباع الأنبياء المتقدمين، ليس كالواجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

الثاني: الإيمان الواجب قبل نزول القرآن، ليس كالإيمان الواجب بعد نزوله.

الثالث: الإيمان الواجب على من عرف الدين مفصلا، ليس كالإيمان الواجب على من عرفه مجملا.

الرابع: الإيمان الواجب على الملائكة، ليس كالإيمان الواجب على غيرهم، وما يجب على العلماء ليس كالذي يجب على غيرهم، وكذلك الأمراء، وكذا من وجبت عليه بعض الواجبات يلزمه معرفة أحكامها.


(١) رواه البخاري (٣٠٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, ومسلم (٧٩) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٢) ((الفتاوى)) (١٣/ ٥١ - ٥٥) باختصار.
(٣) ((الإيمان)) (ص١٨٤ - ١٨٥) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٦)؛ وتكرر كلام شيخ الإسلام حول هذا المعنى. انظر: ((الإيمان)) (ص٢١٩ - ٢٢٠، ٣٩٠ - ٣٩١) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٣٢ - ٢٣٣، ٤٠٨ – ٤٠٩)؛ و ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٧٧ - ٥٧٨)، (ص١٣٩ - ١٤٠) ت مخلوف؛ و ((الفتاوى)) (١٢/ ٤٧٦ - ١٨/ ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>