فجعل الله سبحانه الصلاة والزكاة والتوكل من أعمال الإيمان الداخلة في مسماه، فإذا قام المسلم بتحقيقها والقيام بها على أكمل وجه زاد إيماناً، وارتقى إلى أن يصبح إيماناً حقاً.
فإذا تبين هذا يعلم أن في قوله: إن الزيادة والنقصان في الأمور المنطوية تحت هذا الميثاق يعد رداً على قوله إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الأمور المنطوية تحت الإيمان إيمان بدلالة الكتاب والسنة، وقد ذكر أنها تزيد وتنقص، وبالله التوفيق.
وهذا آخر ما يتعلق بالفصل الثالث، وقد كان الحديث فيه عمن قال: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وذكر شبههم ومواقفهم من نصوص الشرع المخالفة لقولهم مع الرد عليهم في ذلك.
والذي أريد أن أقوله هنا: هو أن هذه الأفكار الباطلة، والأقوال الخاطئة، والتي منها الإرجاء وعدم القول بزيادة الإيمان ونقصانه لا تزال موروثة إلى يومنا هذا، فالأمر كما قيل: لكل قوم وارث، ولكل أرض حارث.
فليس الأمر كما يزعمه بعض الناس أنها أفكار ماتت بموت أهلها، وانقرضت بانقراضهم، ثم يجعل ذلك مدخلاً له ليتعرض على البحث فيها، وفي تخطئة من قال بها.
فالأمر ليس كما يزعمه هذا الزعم، والمهون بقوله هذا من شأن العقيدة ونشرها، والدفاع عنها، وتنقيتها من الأفكار الدخيلة، فإنه يوجد من المعاصرين من يقول بتلك الأقوال، ويدافع عنها، وينتصر لها، ويسعى على قدم وساق في بثها ونشرها في الأمة.
ولعلي أشير هنا إشارة سريعة إلى بعض من تأثر بهذه الأقوال من أهل عصرنا وانتصر لها، مع التنبيه على من رد عليهم إن وجد.
١ - فمن هؤلاء محمد أنور الكشميري الديوبندي المتوفى سنة ١٣٥٢هـ، صاحب كتاب (فيض الباري على صحيح البخاري)، وليت (صحيح البخاري) سلم من فيض هذا الكشميري، فقد شحن كتابه بالمغالطات المكشوفة، والإفتراءات الواضحة، والتأويلات البغيضة، والسباب لبعض أهل العلم، كل ذلك بعبارات مفككة، وأسلوب غث ضعيف. ومن مفضوح أكاذيبه وأوضح مغالطاته قوله عن الإمام المصلح، والداعية المجدد الشيخ محمد عبدالوهاب رحمه الله تعالى:"أما محمد بن عبدالوهاب النجدي فإنه كان رجلاً بليداً قليل العلم فكان يتسارع إلى الحكم بالكفر، ولا ينبغي أن يقتحم في هذا الوادي إلا من يكون متيقظاً متقناً عارفاً بوجوه الكفر وأسبابه"(١).
قلت: ولا يقول هذا من يدري ما يقول، بل لا يقوله إلا حانق حاقد مريض القلب بالهوى.