للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فترك البخاري الرواية عن أهل هذه البدعة لمثل هذه الأسباب المتقدمة يعد منقبة لصحيحه رحمه الله، وميزة له، وحق له أن يذكرها وإن كان في ذكره لها يقصد التأكيد على الحذر من أهل هذه الأهواء ومجانبتهم وعدم التلقي عنهم ليسلم للمرء دينه ومعتقده، فرحم الله البخاري على شدة تحريه وقوة حرصه على سلامة التوحيد والسنة، ولكن هذا كله يعد في ميزان الغوغانية مذمة له والله المستعان.

رابعاً: قوله: "وهو يدري أن الحديث القائل بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص غير ثابت عند النقاد، ولا التفات إلى المتساهلين ممن لا يفرقون بين الشمال واليمين ... ".

قلت: وصنيع الكوثر هنا خداع عجيب ومكر مفضوح فهو يوهم القارئ أن البخاري رحمه الله إنما اعتمد بقوله في زيادة الإيمان ونقصانه على هذا الحديث الضعيف الذي لا يثبت عند نقاد الحديث لكن البخاري - كما يرى هذا الزاعم - احتج به على قوله بل ولم يجد له حجة على قوله غيره.

فيقال لهذا الكوثري المخادع: إنما أنت مفتر، فقد قرأت أدلة البخاري في كتابه الصحيح على هذه المسألة، نصوص بينة من كتاب الله، وأحاديث نيرة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقها رحمه الله مستدلاً بها على زيادة الإيمان ونقصانه قال رحمه الله:

باب زيادة الإيمان ونقصانه، وقول الله تعالى وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: ١٣] وقال: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: ٣١] وقال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص. ثم ساق بسنده حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير - الحديث)) (١) ثم أشار إلى لفظة أخرى للحديث فيها "من إيمان" مكان "من خير".

فهل البخاري رحمه الله احتج على قوله بأن الإيمان يزيد وينقص بذلك الحديث كما يزعمه الكوثري، أو أنه استدل على قوله بهذه الآيات البينات والحديث الواضح.

أقول: لا شك أن الكوثري كان يعلم بماذا احتج البخاري على مذهبه، وبماذا استدل على قوله، ولكن من دأب على المكر والتدليس والتلبيس على الأغمار من شانه أن يتجاهل تلك الاستدلالات، ويتغافل ويتعامى عنها، لينفذ بعد ذلك إلى ما يريد.

وعلى كل فهذه التلبيسات المفضوحة والمغالطات المكشوفة سماها مريده أبو غدة بياناً شافياً، والأمر في الحقيقة لا يعدو كونه حباً مفرطاً في الشيخ وتعلقاً بأقواله وتعظيماً لها، لا أقل ولا أكثر، رغم أن تلك الأقوال لا تحمل علماً يذكر، فضلاً عما فيها من مغالطات وأكاذيب.

٤ - ومنهم الشيخ حسن أيوب وذلك في كتابه "تبسيط العقائد الإسلامية" فقد سلك فيه طريقة المرجئة في مسائل الإيمان، بالإضافة إلى ما فيه من انحرافات عقدية أخرى. وقد كتب الشيخ أبو تراب الظاهري في الرد عليه مقالاً نشر في جريدة المدينة (٢) بعنوان: "التحذير مما كتب الشيخ حسن أيوب في تبسيط العقائد الإسلامية".

ذكر في أوله أنه اطلع على هذا الكتاب الذي شاع وانتشر بين الناس ثم قال: "فراعني فيه أشياء تمس العقيدة الصحيحة فتنحرف بها عن جادة الصواب والحق، وأشفقت أن يعتنقها الشباب في هذا العصر غضبة عقولهم فترسخ في أذهانهم فيتنكبوا السبيل الأقوم فبادرت إلى كتابه هذا الرد على ما كتبه الشيخ حسن أيوب ليتنبه له قراؤه ويلتزموا المسلك الصحيح وأول المآخذ على كتابه المذكور: أنه قرر مذهب المرجئة والجهمية في الإيمان، وصحح هذا المذهب ونسبه إلى الجمهور ... " ثم شرع في نقده والرد عليه.

٥ - ومنهم محمد إدريس الكاندهلوي كما في كتابه: "تحفة القارئ بحل مشكلات البخاري" وهو في كثير من المواضع فيه ينقل عن شيخه محمد أنور الكشميري، وقد تقدم الكلام على شيخه قريباً.

هذا ولم أشأ الاستطراد بذكر جميع من وقفت على أنه قال بهذا القول من أهل عصرنا ولم أشأ كذلك تسمية المؤسسات العلمية القائمة عليه وإنما أردت فقط الإشارة إلى بعض الأفراد من القائلين بهذا القول، لأدل بهم على غيرهم، ولأنبه بهم على من سواهم، ولأبين كذب دعوى من قال إن هذه الأفكار قد ماتت ولم يبق منها شيء في زماننا.

ثم إن هؤلاء الخالفين الذين أشرت إلى بعضهم لم يأتوا بجديد في مجال الاستدلال غير تكرار شبه من سبقهم، وإعادة ترديدها، وهذا يفيدنا أن الردود التي ذكرت سابقاً في الرد على أسلافهم كافية في الرد عليهم.

المصدر:زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبد الرزاق البدر - ص ٣٩٧


(١) رواه الترمذي (٢٥٩٣) , من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, وقال حديث حسن صحيح, وصححه الألباني, وقال في ((السلسلة)) (٢٤٥٠): صحيح على شرط الشيخين.
(٢) ((جريدة المدينة)) (عدد ٦١٩٧ الخميس ١٣/ ٥/١٤٠٤هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>