للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قال: الله ورسوله أعمل، قال: أفلا وكلت الأولى كما وكلت الثانية. يقول: هذا التوقف يدل على أنك لا تشهد لنفسك بفعل الواجبات وترك المحرمات، فإنه من شهد لنفسه بذلك شهد أنه من أهل الجنة إن مات على ذلك" (١).ولذلك كان الإمام أحمد يقول: أذهب إلى حديث ابن مسعود في الاستثناء في الإيمان؛ لأن الإيمان قول وعمل، والعمل الفعل، فقد جئنا بالقول، ونخشى أن نكون قد فرطنا في العمل، فيعجبني أن نستثنى في الإيمان، بقول: أنا مؤمن إن شاء الله (٢).فهذا هو الفهم الصحيح لما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، ومثله ما جاء عن عمر إن صح عنه، فإنه يروى عن عمر بن الخطاب مرسلا (٣).

ثالثا: قولهم إن القطع بالإيمان قطع بالجنة. فيقال: هذا إنما يجيء على قول من يجعل الإيمان متناولا لأداء الواجبات وترك المحرمات، فمن مات على هذا كان من أهل الجنة، وأما على قول المرجئة والجهيمة، وهو القول الذي نصره هؤلاء الأشاعرة، فإنه يموت على الإيمان قطعا، ويكون كامل الإيمان عندهم، وهو مع هذا عندهم من أهل الكبائر الذين يدخلون النار، فلا يلزم إذا وافي بالإيمان أن يكون من أهل الجنة، وهذا اللازم لقولهم يدل على فساده (٤).

رابعا: أنه يلزمهم على مأخذهم هذا أن يستثنوا في الكفر أيضا. لأن ما ذكروه يطرد في الإيمان والكفر سواء، ولذلك صاروا أمام هذا اللازم فتبين (٥):

الأولى: أخذت به وقررته على الكفر، كما فعله بعض محققيهم، مثل أبي منصور الماتريدي.

الثانية: منعت الاستثناء في الكفر، وفرقت بين الاستثناء فيه والاستثناء في الإيمان، فقالوا: نستثني في الإيمان رغبة إلى الله في أن يثبتنا عليه إلى الموت، والكفر لا يرغب فيه أحد.

قال شيخ الإسلام ردا على دعوى التفريق بين الاستثناء في الإيمان والاستثناء في الكفر:

"ولكن جماهير الأئمة على أنه لا يستثنى في الكفر، والاستثناء فيه بدعة لم يعرف عن أحد من السلف، ولكن هو لازم لهم ثم قال:"لكن يقال: إذا كان قولك: مؤمن، كقولك في الجنة، فأنت تقول عن الكافر هو كافر، ولا تقول هو في النار إلا معلقا بموته على الكفر، فدل على أنه كافر في الحال قطعا، وإن جاز أن يصير مؤمنا، كذلك المؤمن، وساء أخبر عن نفسه أو عن غيره، فلو قيل عن يهودي أو نصراني هذا كافر، قال إن شاء الله إذا لم يعلم أنه يموت كافرا، وعند هؤلاء لا يعلم أحد أحدا مؤمنا إلا إذا علم أنه يموت عليه" (٦).

خامسا: ترتب على مأخذهم هذا عدم القطع بتوبة التائب.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا صار الذين لا يرون الاستثناء لأجل الحاضر، بل للموافاة، لا يقطعون بأن الله يقبل توبة التائب، كما لا يقطعون بأن الله يعاقب مذنبا، فإنهم لو قطعوا بقبول توبته لزمهم أن يقطعوا له بالجنة، وهم لا يقطعون لأحد من أهل القبلة لا بجنة ولا بنار إلا من قطع له النص.

وإذا قيل: الجنة لمن أتى بالتوبة النصوح من جميع السيئات؟


(١) ((الإيمان)) (ص٣٩٩ - ٤٠٠) ((الفتاوى)) (٧/ ٤١٧ - ٤١٨)؛ وانظر: ((الاستقامة)) (١/ ١٥٠).
(٢) ((الإيمان)) (ص٤٢٨) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٤٧ - ٤٤٨)؛ والأثر عن الإمام أحمد رواه: الخلال في: ((السنة)) (٣/ ٦٠٠) (رقم ١٠٦٥).
(٣) انظر: ((الإيمان)) (ص٣٩٩) ((الفتاوى)) (٧/ ٤١٧).
(٤) انظر: ((الإيمان)) (ص٤١٨) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٣٨).
(٥) انظر: ((الإيمان)) (ص٤١٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٣٢).
(٦) ((الإيمان)) (ص٤١٢ – ٤١٣) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٣٢)؛ وانظر منه (ص٣٠٦) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٢٣)؛ و ((تعظيم قدر الصلاة)) (٢/ ٥١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>