للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: النصوص الناطقة بإطلاق المؤمن على المعاصي، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى. . الآية [البقرة: ١٧٨]. وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا. . الآية [التحريم: ٨]. الثاني: إجماع الأمة من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقتهم على الصلاة على من مات من المسلمين من غير توبة، والدعاء له ودفنه في مقابرهم مع علمهم بحاله (١).وقد رفض الخوارج حكم أهل السنة في مرتكب الكبيرة، ووضعوا فيه حكما مخالفا، فقالوا – ما عدا النجدات منهم -: إن مرتكب الذنوب كبيرة كانت أو صغيرة كافر مخلد في النار ذلك لأنهم كانوا لا يعتبرون الإيمان تاما بدون العمل (٢).وكما رد الخوارج حكم أهل السنة، فإن المرجئة اعترضوا على حكم الخوارج، وكونوا في مرتكب الكبيرة رأيا يعتبر بمثابة الرد على الخوارج، فقالوا: نظرا لأن الإيمان هو عمود الدين، وليس العمل داخلا في الإيمان، وأنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فقد قرروا أن مرتكب الكبيرة مؤمن وأرجأوا أمر معصيته إلى الله تعالى يوم القيامة ليحكم فيه ما يشاء (٣).ثم تعاظم الخلاف بين الفرق الإسلامية، واحتدم الجدل، وصارت تعقد في مساجد البصرة وغيرها حلقات المناظرة التي كان أهمها وأشهرها حلقة الحسن البصري. في ذلك الجو ظهر المعتزلة، وقد كانت الحلول المعروضة لمرتكب الكبيرة غير مرضية للجميع؛ وبذلك كان المجال مفتوحا لظهور حلول أخرى، وقد ظن واصل بن عطاء – تلميذ الحسن البصري – أن في مقدوره أن يجيء بحكم خير من الأحكام السابقة، ثم أن واصلا لما كان يعتقد أن العمل جزء من الإيمان (٤)؛ ويرى أن أحكام المؤمنين والكافرين والمنافقين في الكتاب والسنة زائلة عن مرتكب الكبيرة، فإنه قرر أن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر؛ بل في منزلة بين منزلتي الإيمان والكفر (٥).وقد عرفنا – فيما سبق – عند الكلام على نشأة المعتزلة، قصة السائل الذي أتى إلى الحسن البصري في حلقته يسأله عن حكم مرتكب الكبيرة؛ معللا ذلك بوجود الآراء المتضاربة، آراء الخوارج والمرجئة، وقبل أن يجيب الحسن سبقه واصل بن عطاء وقال رأيه في مرتكب الكبيرة، وهو أنه لا مؤمن ولا كافر، ثم قام واعتزل في ناحية من المسجد، وانضم إليه عمرو بن عبيد وأصحابه، فقال الحسن: اعتزلنا واصل؛ وبذلك سمي واصل وأصحابه المعتزلة (٦).ومما يلفت الانتباه أن واصلا – رغم مخالفته للخوارج – وقوله: إن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر، فإنه وافقهم على تخليده في النار، وفي هذا يقول البغدادي: تناقض بين، إلا أن واصلا استدرك فقال: يخفف عنه العذاب، وتكون دركته فوق دركة الكفار؛ وذلك إذا خرج صاحب الكبيرة من الدنيا عن غير توبة (٧).


(١) ((العقائد النسفية)) (١١٧).
(٢) ((العقائد النسفية)) (١١٦)، ((الفرق بين الفرق)) (٧٣).
(٣) ((التبصير في أمور الدين)) (٩٠)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٤٥)، بتصرف.
(٤) ((العقائد النسفية)) (١١٦).
(٥) ((الانتصار)) (١٦٧).
(٦) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٥).
(٧) ((الفرق بين الفرق)) (١١٩)، ((الملل والنحل)) (١/ ٥٦)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>