للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد طبق واصل بن عطاء هذا المبدأ على المتنازعين على الخلافة، فقد كان أهل العصر مختلفين في هذه المسألة أيضا، فشيعة علي – رضي الله عنه – يكفرون الذين خرجوا عليه وحاربوه، وحرموه من حقه في الخلافة، وجماعة معاوية يلعنون عليا في المساجد، والخوارج يقولون: إن أصحاب الجمل كفروا بقتالهم عليا، وأن عليا كان على الحق في قتال أصحاب الجمل، وقتال أصحاب صفين إلى وقت التحكيم، ثم كفر بالتحكيم، وأهل السنة يعتقدون صحة إسلام الفريقين في حرب الجمل وصفين، ويرون أن الذين قاتلوا عليا فيهما كانوا عصاة مخطئين، ولكن خطأهم لم يكن كفرا. وأما المرجئة؛ فكانوا يؤمنون بحسن إسلام الفريقين ويرجئون الحكم عليهما إلى يوم القيامة، فلما قام واصل خالف جميع هذه الأقوال، وأدلى بحكمه الخاص في ذلك النزاع، فقال في عثمان وقاتليه وخاذليه: إن أحد الفريقين لا محالة فاسق مخطئ؛ غير أنه لا يستطيع أن يعين أيهما المخطئ؛ فلا يمكنه لذلك أن يقبل شهادتهما، كذلك قال في أصحاب الجمل وصفين: أن أحدهما مخطئ فاسق، وقد يكون الفسقة من الفريقين، ولما كان يشك فيهما كليهما ولا يعرف أيهما الفاسق، رفض شهادتهما، وقد ذهب صاحبه عمرو بن عبيد إلى أبعد من ذلك، فحكم بفسق الفريقين من أصحاب الجمل وصفين، ولم يقبل شهادتهم جميعا (١).

ولم يكتف واصل بالحكم على المتحاربين على الخلافة فحسب؛ بل تعرض لحل ذلك النزاع السياسي من أساسه، فقد كانت آراء الفرق الإسلامية في الخلافة متضاربة، فأهل السنة يقولون: إن الخليفة يجب أن يكون عربيا من قريش، وأن يصل إلى الخلافة بمبايعة الأمة وموافقتها. والشيعة يرون: أن الإمامة محصورة في أولاد علي بن أبي طالب من زوجته فاطمة بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – والخوارج يصرون على أن تكون الخلافة بانتخاب الأمة إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وكل مسلم يحق له أن ينتخب لإشغال ذلك المنصب. فحاول واصل أن يوحد هذه الآراء ويكون منهاجا يرضي الجميع، ويجيء وسطا بين تطرف الشيعة والخوارج، فقال: الإمامة باختيار الأمة، وحجته في ذلك: أن الله سبحانه وتعالى لم ينص على رجل بعينه، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا وافق أهل السنة والخوارج. وقال أيضا: إذا كان مسلما سواء من قريش أو من غيرها، ومن أهل العدالة والإيمان، يجوز أن يقع عليه اختيار الأمة، وكان ذلك منه ترضية ثانية للخوارج وزاد على ما تقدم أن اختيار الإمام واجب على أهل كل عصر، فاقترب بهذا القول من الشيعة الذين يعتقدون بوجوده في كل وقت إن حاضرا أو غائبا. ويتضح مما تقدم أن المسلمين في الوقت الذي ظهرت فيه هذه الفرقة كانت عندهم بعض المشاكل، وأن المعتزلة قاموا ليحلوا تلك المشاكل ويضعوا فيها أحكاما حسبوا أنها ترضي الجميع، وتحوز قبولهم، وتصلح ذات بينهم (٢)؛ إلا أن المسألة بالعكس؛ إذ أنهم زادوا المشاكل مشاكل، فأحدثوا من البدع والأقوال المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما جعل المسلمين ينشغلون عن حل مشاكلهم بالقضاء على هذه البدع والأقوال المخالفة، والرد عليها؛ لكن على كل حال فإن وجود بعض المشاكل بين المسلمين مما هيأ لظهور هذه الفرقة؛ ومن ثم ساعدها على الاشتهار والانتشار عندما أثبتت آراءها كأي فرقة أخرى من فرق الضلال.

٢ - أثر الديانات الأخرى:


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٢)، ((المعتزلة)) (١٨) بتصرف.
(٢) ((مروج الذهب)) (١/ ٧١، ٦/ ٢٤)، ((مقدمة الانتصار)) (٥١)، ((المعتزلة)) (١٩)، ((ظهر الإسلام)) (٢٦)، ((أهم الفرق الإسلامية)) (٤١) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>