للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تحدثنا عن انتشار مذهب المعتزلة فنحن نقصد مذهبهم في القدر الذي خالفوا فيه أهل السنة والجماعة، وصار أصلا من أصولهم المعتبرة، ولقبا لهم يعرفون به؛ إذ هم – كما أسلفنا – يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد، ونحن أيضا حينما نفصل القول في كيفية انتشار مذهبهم فإننا نقصد من ذلك أخذ صورة واضحة مفصلة عن مذهب المعتزلة الذي ابتلي به المسلمون، وأن هذا المذهب ما كان لينتشر هذا الانتشار الذي وصل إلى حد أنه له مؤيدين كثيرين في عصرنا الحاضر لولا أساليبهم التي مكنتهم من الوصول إلى مركز القيادات في الأمة، ومن خلال ذلك فرضوا مذهبهم على الناس، وأحياناً أرغموهم على اعتناقه بالقوة. ومن البدهي القول بأن انتشار مذهب المعتزلة في القدر مرتبط بانتشار مذهبهم عموما، وإذا كانت أصولهم الخمسة هي ما أجمعوا عليه في مختلف أعصارهم وطبقاتهم، فإن قولهم بالقدر هو ألصق ما يكون بهم، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح لقبا من ألقابهم فهم يسمون "القدرية"، مع ملاحظة أن المعتزلة أنفسهم ينفون عنهم هذا اللقب، ويقولون إنه ينطبق على المجبرة، وأنهم – على زعمهم – أهل السنة، والسبب واضح وهو ورود أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم القدرية، وأنهم مجوس هذه الأمة، قال ابن قتيبة: "وقد كان فريق منهم يزعمون أن هذا الاسم لا يلزمهم باللغة ولكن يلزم غيرهم، واحتجوا في ذلك أنه يدعي عليهم أنهم يقولون: لا قدر، فكيف ينسبون إلى ما يجحدون، وهذا تمويه من المحتج، وإنما لزمهم لأنهم يضيفون إلى أنفسهم القدر، وغيرهم يجعله لله عز وجل دون نفسه، ومدعي الشيء لنفسه أحرى بأن ينسب إلى ذلك الشيء من جعله لغيره" (١) ويقول الخطابي: "إنما جعلناهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين، وهما النور والظلمة، يزعمون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية، وكذلك القدرية، يضيفون الخير إلى الله – عز وجل – والشر إلى غيره، والله – سبحانه وتعالى – خالق الخير والشر، لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته" (٢).


(١) ((غريب الحديث)) (١/ ٢٥٥) , تأليف ابن قتيبة عبدالله بن مسلم تحقيق الدكتور عبدالله الجبوري ط الأولى ١٣٩٧ وزارة الأوقاف في العراق.
(٢) ((معالم السنن)) للخطابي طبع مع ((سنن أبي داود)) (٥/ ٦٦)، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد، الطبعة الأولى ١٣٩٤هـ، وانظر في نفس الموضوع كتاب ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد)) لإمام الحرمين الجويني (ص٢٥٥ - ٢٥٦)، تحقيق: د. محمد يوسف موسى، وعلي عبدالمنعم عبدالحميد ط ١٣٦٩هـ - ١٩٥٠م، وانظر أيضا ((شرح النووي على مسلم)) (١/ ١٥٤) حيث نقل كلام الأئمة في هذا الأمر، وانظر أيضاً للنووي كتاب ((تهذيب الأسماء واللغات))، الجزء الثاني في القسم الثاني (ص٨١ - ٨٢) ٠ - ط دار الكتب العلمية – لبنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>