للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بالنسبة لانتشار مذهب المعتزلة فإن المقام لا يتسع هنا لشرح تاريخهم الطويل، وتاريخ علمائهم وأقوالهم، وإنما نعرض لبعض أعمالهم ونشاطاتهم، وبعض الأحداث التي كانت سببا في انتشار مذهبهم وذلك من خلال الأمور التالية:١ - كان المعتزلة يبعثون البعوث لنشر مذهبهم والدعاية له، كما فعل واصل بن عطاء الذي يقول عنه ابن المرتضى: "وبلغ من بأسه وعلمه أنه أنفذ أصحابه إلى الآفاق وبث دعاته في البلاد، قال أبو الهذيل: بعث عبدالله بن الحارث إلى المغرب فأجابه خلق كثير، وبعث إلى خراسان حفص بن سالم فدخل ترمذ ولزم المسجد حتى اشتهر، ثم ناظر جهما فقطعه، ورجع إلى قول أهل الحق، فلما عاد حفص إلى البصرة رجع جهم إلى قول الباطل، وبعث القاسم إلى اليمن، وبعث أيوب إلى الجزيرة، وبعث الحسن بن ذكوان إلى الكوفة، وعثمان الطويل إلى أرمينيا فقال: يا أبا حذيفة إن رأيت ترسل غيري فأشاطره جميع ما أملك حتى أعطيه فرد نعلي، فقال: أخرج فلعل الله أن ينفعك، فخرج للتجارة فأصاب مئة ألف، وأجابه الخلق" (١)، وهكذا فالمعتزلة نشطوا لنشر مذهبهم، ورحل دعاتهم شرقا وغربا داعين إلى آرائهم، زاعمين أنهم أهل الحق، ولا شك أن هذه الأعمال التي قاموا بها كان لها دور كبير في التعريف بمذهبهم واستجابة فئات من الناس لهم.٢ - زعموا أن مذهبهم هو الحق، وأنه مذهب السلف الصالح القائم على الأدلة من الكتاب والسنة، يقول أحد علمائهم: "يجب أن أملي كتابا في أن مذهب المعتزلة هو الذي يقتضيه العقل والكتاب والسنة، وهو الذي مر عليه السلف والخلف" (٢)، ويقول أيضا: "ليعرف من قرأ كتابنا أن التمسك بالسنة طريقتنا" (٣). وهذا ادعاء غير صحيح، فإن العقل مقدم عندهم على النص، وسيأتي شرح هذا في الباب الثالث إن شاء الله.٣ - نسبة مذهبهم – بالسند كما يزعمون – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى كبار الصحابة كالخلفاء الأربعة، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي بن كعب، وغيرهم (٤)، وقد نسبوا مذهبهم أيضا إلى كبار علماء السلف كالحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وطاووس، ومكحول، ومجاهد، وغيرهم.

وغرضهم من نسبة مذهبهم إلى هؤلاء إظهار مذهبهم أنه الحق، وأن هؤلاء الأعلام قالوا به، ومن ثم فهم أهل الإسلام الحقيقيون، ومخالفوهم – وفيهم أهل السنة والجماعة حقا – ليسوا إلا طوائف منحرفة عن خط الإسلام الصحيح – كما يزعمون -، ولا شك أن عامة الناس سينخدعون بمثل هذه الدعاوى فيتمذهبون بمذهبهم حين يدعون إليه، ويدرسون كتبهم ورسائلهم، ويقولون بآرائهم.


(١) ((المنية والأمل)):ابن المرتضى (ص١٩)، وانظر: ((مذاهب الإسلاميين)): عبدالرحمن بدوي (١/ ٨١)، وانظر أيضا: ((ضحى الإسلام)): أحمد أمين (٣/ ٩٠) الطبعة العاشرة.
(٢) القائل هو عبدالجبار الجشمي، وقد ألف كتابا اسمه ((فضل الاعتزال))، انظر ((موقف المعتزلة من السنة النبوية))، أبو لبابة حسين (ص٢٨).
(٣) القائل هو عبدالجبار الجشمي، وقد ألف كتابا اسمه ((فضل الاعتزال))، انظر ((موقف المعتزلة من السنة النبوية))، أبو لبابة حسين (ص٢٨).
(٤) انظر سندهم في ذلك في ((المنية والأمل)): ابن المرتضى، باب ذكر المعتزلة (ص ٤ - ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>