للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرد على دعواهم في الحسن البصري ليس تفصيله هنا، وأرجو ألا يكون استطرادا إذا لخصت الرد في النقاط التالية: أ- أن المعتزلة أنفسهم لا يقطعون بنسبة الحسن إليهم، ولذا نرى ابن المرتضى لما ذكر الحسن وقوله في القدر قال: "فإن قلت فقد روى أيوب، أتيت الحسن، فكلمته في القدر فكف عن ذلك، قلت: قد روي أنه خوفه بالسلطان فكف عن الخوض فيه ... " (١)، وهل يخاف الحسن السلطان وهو الرجل الذي يجهر بالحق دائما؟ ب- أما بالنسبة للرسالة المنسوبة إليه فيقول عنها الشهرستاني: "ورأيت رسالة نسبت إلى الحسن البصري كتبها إلى عبدالملك بن مروان، وقد سأله عن القول بالقدر والجبر فأجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية، واستدل فيها بآيات من القرآن الكريم ودلائل من العقل، ولعلها لواصل بن عطاء, فما كان الحسن ممن يخالف السلف في أن القدر خيره وشره من الله – تعالى–، فإن هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم (٢)، وهذه الرسالة لم تصح نسبتها إلى الحسن، والمعتزلة ينسبون إلى الحسن أقوالا بروايات منقطعة، فالمرتضى حين ذكر أهل العدل والتوحيد عد منهم الحسن البصري، وترجم له ترجمة طويلة، ولما أراد أن يثبت أنه من أهل العدل قال: "فمن تصريحه بالعدل، ما رواه علي بن الجعد قال: سمعت الحسن يقول: من زعم أن المعاصي من الله عز وجل جاء يوم القيامة مسودا وجهه، وقرأ: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ [الزمر: ٦٠] " (٣)، وعلي بن الجعد الذي يقول سمعت الحسن لم يسمع منه ولم يلقه، فهذه رواية منقطعة. ج- وابن قتيبة يذكر عن الحسن البصري أنه تكلم في شيء من القدر ثم رجع عنه، ولكنه يذكر بعد ذلك مباشرة أن عطاء بن يسار ومعبدا الجهني كانا يأتيان الحسن، فيسألانه ويقولان: يا أبا سعيد إن الملوك يسفكون دماء المسلمين، ويأخذون الأموال، ويفعلون ويفعلون، ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر الله، فقال، كذب أعداء الله (٤)، قال ابن قتيبة: "فتعلق عليه بمثل هذا وأشباهه" (٥)، ويشبه هذا ما يروى عن الحسن أنه قال – وهو محق في قوله – ولكن المعتزلة يفسرون قوله بما يدل سياق كلامهم له على أنه منهم، وذلك ما أورده عبدالجبار الهمذاني في معرض وصمه لأهل السنة بأنهم قدرية، فقد قال "وروي عن الحسن – رحمه الله – أنه كان يقول – إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب وهم قدرية مجبرة يحملون ذنوبهم على الله ويقولون: إن الله سبحانه قد شاء ما نحن فيه، وحملنا عليه وأمرنا به، فقال – عز وجل–: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٢٨] " (٦)، فهل كلام الحسن – رحمه الله – في الروايتين دل على أنه قدري؟ الجواب: لا يدل.


(١) ((المنية والأمل)) (ص١٥).
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٤٧) - تحقيق محمد سيد كيلاني- ط ١٣٨٧هـ.
(٣) ((أمالي المرتضى))، القسم الأول (ص١٥٣)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى ١٣٧٣هـ.
(٤) ((المعارف)): ابن قتيبة (ص٤٤١) تحقيق عكاشة، ط: دار المعارف بمصر.
(٥) ((المعارف)): ابن قتيبة (ص٤٤١) تحقيق عكاشة، ط: دار المعارف بمصر، وانظر رواية أخرى مشابهة لهذه الرواية عن الحسن ذكرها الطبري في تفسيره "سورة الإسراء" (١٥/ ٦٢).
(٦) ((المغني في أبواب التوحيد والعدل)) (٨/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>