للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د- وهناك روايات تنفي هذا الزعم، فقد روى ابن سعد: "قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي قال، حدثنا عبدالرحمن بن أبي الرجال، عن عمر مولى غفرة قال: كان أهل القدر ينتحلون الحسن بن أبي الحسن، وكان قوله مخالفا لهم، كان يقول: "يا ابن آدم لا ترض أحدا بسخط الله ولا تطيعن أحدا في معصية الله، ولا تحمدن أحدا على فضل الله، ولا تلومن أحدا فيما لم يؤتك الله، إن الله خلق الخلق والخلائق، فمضوا على ما خلقهم عليه، فمن كان يظن أنه مزداد بحرصه في رزقه فليزدد بحرصه في عمره، أو يغير لونه، أو يزيد في أركانه أو بنائه" (١).هـ- ومعلوم أن المعتزلة أجمعوا على أصولهم الخمسة، والحسن البصري يعتبر القول بالمنزلة بين المنزلتين بدعة تخرج صاحبها عن عقيدة الجماعة، ولذلك اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن لما خالفه في هذا الأصل، فكيف مع هذا يعتبر الحسن من علمائهم، المنتسبين إليهم (٢)؟

قد يقال: إن الحسن وافقهم في القدر لا في المنزلة بين المنزلتين، ونقول جوابا لهذا: إن هذا أكبر دليل على أن غرضهم هو التشرف بانتسابه إليهم، وإلا فكيف عدوه منهم ولم يقل بأصولهم كلها؟ والمعتزلة ذكروا مع الحسن غيره، بل وعدوا من الطبقة الأولى من طبقاتهم الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة "وواضح أن إدراج هؤلاء ضمن المعتزلة إنما قصد به بيان أن المعتزلة هي أتقى الفرق وأبرها" (٣).و- وقد اشتهر عن بعض المعتزلة القدرية أنهم يكذبون على الحسن البصري، فقد ذكر عبدالله ابن أحمد في كتاب السنة عدة روايات تدل على ذلك، فمن ذلك ما رواه عن حميد قال: قدم الحسن مكة، فقال فقهاء مكة، الحسن بن مسلم وعبدالله بن عبيد: لو كلمت الحسن فأخلانا يوما، فكلمت الحسن فقلت: يا أبا سعيد، إخوانك يحبون أن تجلس لهم يوما، قال: نعم ونعمة عين، فواعدهم يوما فجاؤوا فاجتمعوا، وتكلم الحسن وما رأيته قبل ذلك اليوم ولا بعده أبلغ منه ذلك اليوم، فسألوه عن صحيفة طويلة فلم يخطئ فيها شيئاً إلا في مسألة، فقال له رجل: يا أبا سعيد من خلق الشيطان؟ قال: سبحان الله، سبحان الله، وهل من خالق غير الله، ثم قال: إن الله خلق الشيطان وخلق الشر والخير، فقال رجل منهم: قاتلهم الله يكذبون على الشيخ" (٤)، وقد قال حميد لمن نقل عن عمرو بن عبيد حديثا رواه عن الحسن: "لا تأخذ عن هذا فإنه يكذب على الحسن" (٥)، وروي عبدالله بن أحمد عن حماد بن زيد قال قيل لأيوب: إن عمرا "أي عمرو بن عبيد" روي عن الحسن أنه قال: لا يجلد السكران من النبيذ، قال: كذب. أنا سمعت الحسن يقول يجلد السكران من النبيذ (٦). فهذه الروايات وغيرها (٧) تدل على أن دعوى أن الحسن البصري – رحمه الله – كان قدريا أو كان يقول بقولهم ليست صحيحة.

بعد هذا نكمل النقاط حول انتشار مذهب المعتزلة.

٤ - تكونت للمعتزلة مدرستان مشهورتان هما: مدرسة البصرة، ومدرسة بغداد، وهما التياران الرئيسان لمذهب المعتزلة، وكانت تجري بينهما خلافات ومناقشات حادة:

أ- فمن أشهر أتباع مدرسة البصرة:

١ - واصل بن عطاء "توفي سنة (١٣١هـ) " وهو مؤسسها.


(١) ((الطبقات الكبرى))، لابن سعد (٧/ ١٧٥)، طبعة دار صادر، ودار بيروت ١٣٧٧هـ ١٩٥٨م.
(٢) انظر، ((موقف المعتزلة من السنة النبوية)) (ص ٢٧).
(٣) ((مذاهب الإسلاميين)): عبدالرحمن بدوي (١/ ٤٠).
(٤) ((السنة)) لعبدالله بن الإمام أحمد (٢/ ١٢٦) – الطبعة السلفية – الحجاز – ١٣٤٩هـ.
(٥) ((السنة)) لعبدالله بن الإمام أحمد (٢/ ١٣١) – الطبعة السلفية – الحجاز – ١٣٤٩هـ.
(٦) ((السنة)) لعبدالله بن الإمام أحمد (٢/ ١٣٣) – الطبعة السلفية – الحجاز – ١٣٤٩هـ.
(٧) انظر ((السنة)) لعبدالله بن الإمام أحمد (٢/ ١٣١ - ١٣٥) – الطبعة السلفية – الحجاز – ١٣٤٩هـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>