للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤكد الدكتور طريف الخالدي أن معظم مفكري المعتزلة كانوا ذوي مهن؛ فلماذا تنفى مهنة الغزال عن واصل وحده، ويؤتى لها بذلك التخريج؛ حيث يقول الدكتور الخالدي: "بدأت بدراسة (طبقات المعتزلة) لابن المرتضى، وحصرت البحث في ستة وعشرين متكلماً، إخالهم أشهر أصحاب الاعتزال على الإطلاق من القرن التاسع والعاشر للميلاد أي قرون الاعتزال الذهبية، ووجدت أن ستة عشر منهم كانوا من أصحاب الحرف، أو من طبقة أصحاب الحرف، أو من طبقة التجار الصغار، ولم أتوصل إلى معرفة ما تبقى منهم، وإليكم بعض الأمثلة: عمرو بن عبيد "ت (١٤٤هـ) "، كان أبوه نساجاً، واصل بن عطاء "ت (١٣١هـ) "، ويلقب بالغزال، العلاف "أبوالهذيل ت (٢٣٥هـ) "، وكان يلقب بالعلاف؛ لأن داره بالبصرة كانت في العلافين، النظام "مات في خلافة المعتصم"، كان ينظم الخرز في سوق البصرة؛ لأجل ذلك قيل له النظام، بشر بن المعتمر "ت (٢١٠هـ) "، كان نحاساً في سوق الرقيق، هشام بن عمرو الفوطي، هذه النسبة إلى الفوطة، وهي نوع من الثياب، الجاحظ "ت (٢٥٥هـ) "، كان وراقاً، أبو يعقوب يوسف الشحام، هذه النسبة إلى بيع الشحم، أبو عيسى الوراق، كان وراقاً، جعفر بن مبشر القصبي "ت (٢٣٤هـ) "، كان يبيع القصب، أبو جعفر الإسكافي "ت (٢٤٠هـ) "، كان الإسكافي خياطاً، أبو الحسين الخياط، كان خياطاً، أبو مسلم النقاش، كان نقاشا" (١).

فإذا كانت غالبية متكلمي المعتزلة يحترفون هذه المهن، فلماذا ينفي عن واصل أنه كان غزالاً؟ مع أن الذي يفهم من شعر بشار بن برد في واصل أنه كان غزالاً بالفعل؛ حيث يقول:

ما لي منيت بغزال له عنق ... كنقنق الدو إن ولي وإن مثلا

عنق الزرافة ما بالي وبالكم ... تكفرون رجالاً كفروا رجلاً (٢)

فلو كانت التسمية لملازمته لسوق الغزالين، لما كان وصفه بالغزال مناسباً، ولكن الشعراء الذين هجوه وصفوه بالغزال، بينما الشعراء المحبون له كانوا ينعتونه بأبي حذيفة، أو يذكرونه باسمه، وقد هجاه الشاعر إسحاق بن سويد العدوي "ت ١٣١ هـ"؛ فقال:

برئت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم وابن باب

ومن قوم إذا ذكروا عليا ... يردون السلام على السحاب (٣)

وقال معدان الشميطي يهجو الخوارج، والمعتزلة، وغيرهم:

لا حروراء لا النواصب تنجو ... لا ولا صحب واصل الغزالي (٤)

وكان مادحوه يذكرونه باسمه فقط، كأسباط بن واصل الشيباني؛ حيث قال:

وأشهد أن الله سماك واصلاً ... وأنك محمود النقيبة، والشيم (٥)

وكان بشار قد مدحه قبل أن يختلف معه، ولم يذكر لقب الغزالي؛ فقال:

أبا حذيفة قد أوتيت معجبة ... في خطبة بدهت من غير تقدير (٦)


(١) د. طريف الخالدي، ((دراسات في تاريخ الفكر العربي الإسلامي))، (ص٣١، ٣٢).
(٢) الجاحظ، ((البيان والتبيين)) (١/ ٢٣).
(٣) ((البيان والتبين)) (١/ ٢٣)، و (ص٢٧)، و (ص٢٤).
(٤) ((البيان والتبين)) (١/ ٢٣)، و (ص٢٧)، و (ص٢٤).
(٥) ((البيان والتبين))، (١/ ٢٣)، و (ص٢٧)، و (ص ٢٤).
(٦) ((البيان والتبين))، (١/ ٢٣)، و (ص٢٧)، و (ص ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>