للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا، فإن لقب الغزال قد يكون موافقا لحرفته التي يعمل بها، ولا عيب في ذلك، ولكن الذي تعاب به المعتزلة – حقا – أن هذه الظاهرة تبين عدم انتظام علماء المعتزلة في حلقات العلم، ولا يعدون من رواة الحديث، وعندما أطلقوا العنان لعقولهم؛ لتخوض في العقيدة كما تشاء، برزت الانحرافات العقدية، التي انشغل بها علماء الأمة؛ للرد، والتصحيح، فلعل مثل هؤلاء الحرفيين كانوا يخوضون في مسائل الدين على هواهم، وهذا ما حدث – فعلاً –، والله أعلم. وأما صفاته الخلقية، فقد كان طويل العنق جداً؛ بحيث كان يعاب به (١)، وقد عابه لطول عنقه صاحبه عمرو بن عبيد، وقال: "أنى هذا، وله عنق لا يأتي معها بخير" (٢)، ومن صفاته الخلقية – أيضا – أنه كان ألغ في الراء، شديد اللثغة بها؛ حيث يقول المبرد: "وكان واصل بن عطاء أحد الأعاجيب؛ وذلك أنه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الراء، فكان يخلص كلامه من الراء" (٣).ويقول الجاحظ عن هذه اللثغة: ولما علم واصل أنه ألثغ، فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذا كان داعية مقالة، ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل، وزعماء الملل ... رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه، وإخراجها من حروف منطقه" (٤).ومهما حاول أتباعه من المعتزلة الاعتذار عن هذا العيب، فإن واصل بن عطاء روى عنه جرأة على كتاب الله – تعالى –؛ بسبب لثغته؛ حيث يذكر الإمام الذهبي: "أنه كان يمتحن بأشياء في الراء، ويتحيل لها حتى قيل له: اقرأ أول سورة براءة، فقال على البديهة: عهد من الله ونبيه إلى الذين عاهدتهم من الفاسقين فسيحوا في البسيطة هلالين وهلالين"، وكان يجيز القراءة بالمعنى، وهذه جرأة على كتاب الله العزيز" (٥).وقال البغدادي: "وأما لثغه في الراء فمن مثالبه؛ لأنها تمنع من كونه مؤذناً، وإماماً للقارئين؛ لعجزه؛ لقوله: أشهد أن محمد رسول الله، وأن يقول: الله أكبر، وكان لا يصح منه قراءة آية فيها الراء، وكفى المعتزلة خزياً أن يكون زعيمها من لا يصح صلاتهم خلفه، وأما خطبته التي لا راء فيها، فعساه كان في تحبيرها أياماً" (٦).

طلبه العلم:

سبق لنا القول بأن واصل بن عطاء، ولد سنة " (٨٠هـ) "، وكانت ولادته في المدينة المنورة، ولا نعثر على أي نص يفيدنا عن طبيعة نشأته الأولى، وتلقيه للعلم، أو مدة إقامته في المدينة، وزمن ذهابه إلى البصرة؛ حيث يظهر في مجلس الحسن البصري، والسؤال المتبادر إلى الذهن: هل عاش واصل في المدينة المنورة فترة من الوقت تؤهله للتلقي عن علمائها الذين كانوا من أشد الناس التزاماً بالسنة، وبعداً عن البدعة، أم أنه غادر المدينة في فترة مبكرة من عمره، ولم تتح له فرصة التلقي عن علمائها؟ وهل كانت مهنته "العمل في الغزل" تحول بينه، وبين تلقي العلم، إذا علمنا أنه لم يرو حديثاً واحداً، ولا عده علماء الرجال، والطبقات، من رواة الحديث، أم أنه كان في المدينة يعاني من العبودية، والولاء، فلما ذهب إلى البصرة لازم مجالس الحسن البصري، فبدأ يطرح إشكالاته الفكرية، التي تنم عن ضحالة في العلم الشرعي، والعقدي.


(١) ابن خلكان، ((وفات الأعيان))، (٦/ ١٠)، ت. د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
(٢) ابن المرتضى، ((المنية والأمل))، (ص١٤٠).
(٣) ((الكامل في اللغة))، (٢/ ١٤٤).
(٤) ((البيان والتبيين))، (١/ ١٥).
(٥) الذهبي ((تاريخ الإسلام))، (٥/ ٥٥٩).
(٦) البغدادي، ((الملل والنحل))، (ص٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>