للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاحتمال الثاني: أنها حملة مزعومة، لا أساس لها من الصحة؛ وذلك لأنني حاولت، بعد جهد طويل، العثور على تراجم هؤلاء المذكورين، فلم أحصل إلا على عثمان الطويل، وما وجدت ما قاله ابن المرتضى عنه في كتب أهل السنة، وهذا – أيضاً – يحتمل أن هذه الشخصيات كانت مغمورة، تدعو لبدعتها في الخفاء، بعيداً عن معرفة علماء السلف بها، حتى تؤسس هذه النحلة المبتدعة، ومما لا شك فيه أن هذه الدعوة البدعية – أيضاً – أحدثت بين المسلمين جدالاً، وإشكالاً واسعاً، لم ينته إلى وقتنا الحاضر، فكانت من أخطر البدع التي ابتليت بها الأمة، وما خلاف المسلمين في مسائل العقائد إلا أنه نابع من أصول المعتزلة، والجهمية، التي تحدث مع معظم الفرق البدعية، وخاصة في مناطق التشيع، وحتى الخوارج استقوا مباحثهم الكلامية، فيما بعد، من مناهج المعتزلة.

وعندما حدثت محنة خلق القرآن، التي كان سببها المعتزلة، فرحت فرق الضلال بالاضطهاد الذي لاقاه علماء السلف؛ وأولهم الإمام أحمد، وأعجبت بما تدعو إليه المعتزلة، فكان التلاقي، والذوبان في مسائل العقيدة بين مختلف الفرق، وخاصة الشيعة؛ ومما عزز اتحاد هذه الفرق مع المعتزلة هزيمة المعتزلة في النهاية، وظهور منهج السلف، وسيادته على الأمة، فعادت هذه الفرقة تبحث في سراديب الظلام عن فتن، ومكائد؛ لضرب هذا المنهج الفطري الذي يدين به جمهور الأمة، فحدثت بعد ذلك انحرافات عقدية، خرج أغلبها من رحم المعتزلة العفن، واليوم تبرز الدعوات من جديد؛ لإحياء هذا الفكر المبتدع، والعقيدة الضالة، ولكن هذه الصحوة المباركة بدأت تتلمس طريقها بالبحث عن منهج السلف، وإحيائه؛ لصد الهجمة الاستشراقية الاعتزالية الجديدة، التي يجب أن يزال الستار عن تخريبها العقدي، وخوضها في ذات الله، وصفاته، وقضائه، وقدره، خوضا باطلاً، لا دليل يسنده إلا اتباع الهوى، والشيطان. هذه نبذة عن حياة واصل بن عطاء، الذي توفي سنة "إحدى وثلاثين ومئة" (١)، وقد ذكر أن له جملة من التصانيف، ولم يصلنا شيء منها؛ مثل: "أصناف المرجئة، وكتاب التوبة، وكتاب المنزلة بين المنزلتين، وكتاب خطبته التي أخرج منها الراء، وكتاب خطب التوحيد، والعدل" (٢)، وسوف ننتقل لنعطي صورة أخرى عن عمرو بن عبيد، الرجل الثاني من رجالات الاعتزال.


(١) ابن الخطيب، ((تاريخ بغداد)) (١٢/ ١٨٧)، وابن خلكان، ((وفيات الأعيان)) (٣، ص٤٦٠).
(٢) ابن سعد، ((الطبقات)) (٧/ ٢٠١)، وانظر الرازي، ((الجرح والتعديل)) (٦/ ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>