للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الحسن البصري – رحمه الله تعالى – لم يكن راضيا عن عمرو بن عبيد، قرين واصل؛ لمعتقده الضال في القدر، ولا يعلم حقيقة إذا كان مسمى الاعتزال قد ظهر في حياة الحسن البصري، بعد حادثة الطرد المشهورة، والمنسوبة لواصل تارة، ولعمرو بن عبيد تارة أخرى، ولم تكن حلقة الحسن البصري، ولا مجالس الثنوية، والمجوس، هي المصادر الفكرية الوحيدة لواصل بن عطاء؛ فهناك من يرى أن هناك علاقة بين واصل، والجهم بن صفوان (١٢٨هـ) "، وهذا غير مستبعد؛ وذلك لأن الرجلين عاشا في عصر واحد، وكانت، وفاتهما متقاربة – أيضاً –؛ حيث يقول ابن المرتضى: "إن بعض السمنية قالوا لجهم بن صفوان: هل يخرج المعروف عن المشاعر الخمسة؟ قال: لا، قالوا: فحدثنا عن معبودك: هل عرفته بأيها؟ قال: لا، قالوا: فهو إذا مجهول، فسكت، وكتب إلى واصل، فأجاب، وقال: كان يشترط وجه سادس؛ وهو الدليل، فنقول: لا يخرج عن المشاعر أو الدليل، فاسألهم: هل يفرقون بين الحي والميت، والعاقل والمجنون، فلابد من نعم، وهذا عرف بالدليل، فلما أجابهم جهم بذلك، قالوا: ليس هذا من كلامك، فأخبرهم؛ فخرجوا إلى واصل، وكلموه، وأجابوه إلى الإسلام" (١).

ولا ندري مدى صحة هذا الخبر، ولكن لعل ابن المرتضى يهدف إلى رفع قيمة واصل؛ إذ المشهور أن السمنية الذين تحير الجهم بسببهم، ولم يدر من يعبد لمدة أربعين يوماً، وقدحوا الفتنة في قلبه العليل، ثم ذهبوا، هذه الفتنة التي نالت الجهم في عقيدته، وكانت سبباً في انحرافه، يخشى أن تكون قد تمكنت – أيضاً – من قلب واصل بن عطاء فهل كان للسمنية دور في انحراف معتقد واصل في الصفات، والذي تطور، فيما بعد، على يد المعتزلة عموماً، فهؤلاء السمنية، على هذا الاعتبار، نعتبرهم أحد المؤثرات التي أثرت في فكر واصل بن عطاء، كما أسهمت في انحراف الجهم، وحيرته. ثم يضيف ابن المرتضى أن واصلاً قد بث دعاته في الآفاق؛ فيقول: "وبلغ من بأسه، وعلمه، أنه أنفذ أصحابه إلى الآفاق، وبث دعاته في البلاد؛ فبعث عبدالله بن الحارث إلى المغرب، فأجابه خلق كثير، وبعث إلى خراسان حفص بن سالم، فدخل ترمذ، ولزم المسجد، حتى اشتهر، ثم ناظر جهماً، فقطعه، فرجع إلى قول أهل الحق، فلما عاد حفص إلى البصرة، رجع إلى قوله الباطل، وبعث القاسم بن المعدي إلى اليمن، وبعث أيوب بن الأوتر إلى الجزيرة، وبعث الحسين بن ذكوان إلى الكوفة، وعثمان الطويل إلى أرمينية، فقال: يا أبا حذيفة، إن رأيت أن ترسل غيري، فأشاطره جميع ما أملك، حتى أعطيه فرد نعلي، فقال: يا طويل، اخرج، فلعل الله أن ينفعك، فخرج للتجارة، فأصاب مئة ألف، وأجابه الخلق" (٢).

ونحن أمام هذا النص نميل لأحد الاحتمالين الآتيين:

الأول: أن نصدق بهذه الحملة الشرسة التي شنها المعتزلة على أرجاء العالم الإسلامي، داعين لنفي القدر، والصفات، ونشر البدع العقدية، وبذر بذور الفرقة، والاختلاف، في الأمة؛ عن طريق محاربة منهج السلف في العقيدة.


(١) ابن المرتضى، ((المنية)) (ص١٤٣).
(٢) ((المنية والأمل)) (ص١٤١ - ١٤٢)، بتصرف، قال الدكتور النشار بعد ذكره لحملة واصل هذه: "وبهذا نرى أنه كان لواصل أكبر الأثر في إرساء قواعد الاعتزال، ويعود هذا لشكيمة الرجل وقوة عارضته وشخصيته الفتانة!! " ((نشأة الفكر)) (١/ ٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>