للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الرجل الأزدي، فلا ندري من هو؛ لعدم التصريح باسمه، وهذه الشخصيات التي كانت تجتمع مع واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، لابد أنها أثرت في فكره، ومعتقده، وفي بدعته التي ابتدعها، وإذا أضفنا إليها ما ذكره الأستاذ أنور الجندي عن مجموعة من الباحثين، لم يسمهم: "إن جماعة من اليهود الذين أظهروا الإسلام اندسوا بين المسلمين بالبصرة، وقد تعرف إليهم واصل بن عطاء، وجعل يتردد عليهم، ومن قولهم: إن الخير من الله، والشر من أفعال البشر، وإن القرآن مخلوق محدث، ليس بقديم، وإن الله – تعالى – غير مرئي يوم القيامة، وإن المؤمن إذا ارتكب الذنب، فشرب الخمر، وغيره يكون في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمناً، ولا كافراً، وإن إعجاز القرآن في الصرف عنه، لا أنه معجز؛ أي أن الله لو لم يصرف العرب عن معارضة القرآن، لأتوا بما يعارضه" (١).ونحن نطرح تساؤلات: هل كان لبدعة واصل بن عطاء أبعاد عميقة من خلال هذه الجمهرة الضالة التي كان يجتمع بها، والتي قد تكون دفعته للخروج على منهاج السلف، وعالمهم الكبير الحسن البصري – رحمه الله – الذي كان يلمح في شخصية واصل أنه كان يبيت في نفسه مثل هذه الفرقة في الأمة؛ من خلال دعوته للاعتزال، والذي يظهر من بعض الروايات أن واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، كانا يحضران إلى الحسن البصري عندما كبرت سنه، وزادت على التسعين؛ مما حدا بعلماء السلف باتهامهم بالكذب على الحسن البصري، وكان عمرو بن عبيد ينسب له ما لم يقله؛ فعن حماد بن سلمة قال: "كان حميد من أكفهم عنه "أي عن عمرو بن عبيد قال: فجاء ذات يوم إلى حميد، قال: فحدثنا حميد بحديث، قال: فقال عمرو: كان الحسن يقول ... ، قال: فقال لي حميد: لا تأخذ عن هذا شيئاً؛ فإن هذا يكذب على الحسن، كان يأتي الحسن بعدما أسن، فيقول: يا أبا سعيد: أليس تقول كذا، وكذا؟ للشيء الذي ليس من قوله، فيقول الشيخ برأسه هكذا" (٢).ومن خلال هذا النص، يمكننا أن نفترض الفترة الزمنية التي بدأت فيها هذه البدعة، والتي يرجحها بعض المستشرقين في "دائرة المعارف الإسلامية" أنها بدأت في السنة الخامسة بعد المائة (٣)، وهذا الرأي قد يكون قريبا من الصواب، إذا قورن مع التطور الطبيعي لعمر واصل، وعمرو بن عبيد، في ظل ضعف قوى الحسن البصري، وعدم قدرته على الرد على بدعهم؛ لكبر سنه، يضاف إلى ذلك المكر، والدهاء، الذي كان يمتاز بهما واصل، وعمرو، ورغبتهما المبيتة في تأسيس نحلة خاصة بهما، تخالف هذا الجمهور الكبير الذي رباه الحسن البصري على الكتاب، والسنة؛ ليظهر هؤلاء المناوئون لمنهج السلف، ليس في مسألة المنزلة بين المنزلتين فقط، وإنما في مسائل عقدية أخرى، والتي ستمهد الطريق لبروز الجهمية النفاة، وغيرهم من فرق الضلال.


(١) الجندي، ((مقدمات العلوم والمناهج)) (ص٤٣٣)، ط١، ١٣٩٩هـ، دار الأنصار، القاهرة.
(٢) البغدادي، ((تاريخ بغداد)) (١٢/ ١٨٠)، دار الكتاب العربي، بيروت.
(٣) ((دائرة المعارف الإسلامية المختصرة)) (٢/ ١٠٩١)، أبحاث مجموعة من المستشرقين ترجمة د. راشد البراوي، " ((الموسوعة الإسلامية الميسرة)) (ص١)، ١٩٨٥م، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>