للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونريد أن نتساءل: ماذا يعني هذا الصمت الطويل؟ وما دلالاته؟ هل هو صمت السامع المستزيد؟ أم هو صمت من يهيئ بنفسه مقالة مبتدعة، خالف بها ما يقول هذا الإمام العالم، الذي أجمعت الأمة على إمامته، ورسوخه في الدين، أم أنه كان يقارن بين فكر، ومعتقد سابق لديه، وبين ما يلقيه الحسن البصري، أم أن المجالس التي كان يحضرها بعيداً عن حلقة الحسن البصري هي التي أحدثت عنده هذا الانحراف، والابتداع؟ سوف نلقي فيما يلي بعض الضوء على علاقات واصل الفكرية خارج هذه الحلقة، والتي يرجح أنه كان لها الأثر الأكبر في انحرافه، وعدم اعتباره من المحدثين، أو ممن روى الحديث؛ فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني (٣٥٦هـ) ": "أنه كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشار الأعمى "ت (١٦٨هـ) "، وصالح بن عبدالقدوس، وعبدالكريم بن أبي العوجاء، ورجل من الأزد، قال أبو أحمد جرير بن حازم "ت (١٧٠هـ) ": فكانوا يجتمعون في منزل الأزدي، ويختصمون عنده، فأما عمرو، وواصل، فصارا إلى الاعتزال، وأما عبدالكريم، وصالح، فصححا التوبة، وأما بشار، فبقي متحيراً مخلطاً، وأما الأزدي، فمال إلى قول السمنية؛ وهو مذهب من مذاهب الهند، وبقي ظاهره على ما كان عليه، قال: فكان عبدالكريم يفسد الأحداث، فقال له عمرو بن عبيد: قد بلغني أنك تخلو بالحدث من أحداثنا فتفسده، فتدخله في دينك، فإن خرجت من مصرنا، وإلا قمت فيك مقاماً آتي فيه على نفسك، فلحق بالكوفة، فدل عليه محمد بن سليمان "ت (١٧٣هـ) "، فقتله، وصلبه فيها" (١).ونحن مع عدم ثقتنا بهذا المصدر، ومعلوماته، إلا أنه صدق بقوله عن واصل، وعمرو بن عبيد، وأما الشخصيات الباقية، هي شخصيات منحرفة – أيضاً –؛ فبشار بن برد الشاعر كان يميل إلى دين المجوس، ويفضل النار على التراب، ويصوب رأي إبليس في امتناعه عن السجود لآدم – عليه السلام –، ورمي بالزندقة عند المهدي الخليفة العباسي؛ فأمر به، فضرب سبعين سوطاً، فمات من ذلك، وكان ذلك سنة " (١٦٨هـ) " (٢).وأما صالح بن عبدالقدوس، فهو شاعر زنديق، قتله المهدي على زندقته؛ حيث أبلغ عنه أنه عرض بأبيات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله لأجل ذلك" (٣).وأما عبدالكريم بن أبي العوجاء، فيقول عنه الإمام الذهبي: "خال معن بن زائدة (١٥٢هـ) "، زنديق معثر، قال ابن عدي: لما أخذ لتضرب عنقه، قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال، وأحلل الحرام، قتله محمد بن سليمان الأمير بالبصرة" (٤).


(١) الأصفهاني، ((الأغاني)) (٣/ ١٤٦)، دار صادر، بيروت، وقد نقل هذا النص من ((الأغاني))، ابن حجر، في ((لسان الميزان))، (٤/ ٦١).
(٢) ابن خلكان، ((وفيات الأعيان))، (١/ ٢٧٣).
(٣) ابن عساكر (١/ ٣٤)، ((وفيات الأعيان))، (٢/ ٤٩٢).
(٤) الذهبي، ((ميزان الاعتدال))، (٢/ ٦٤٤)، و ((لسان الميزان))، (٤/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>