للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبه العلم: ولقد كان عمرو، يختلف إلى مجلس الحسن البصري في سن مبكرة، ولعل هذا المجلس كان له أثره في نشأته العلمية فيما بعد، ولكن عمرو بن عبيد كان يأخذ من مشارب شتى، خلطت عليه ذلك الخير الذي كان يتلقاه في مجلس الحسن البصري؛ حيث كان يصاحب واصلاً إلى مجالس الثنوية والمجوس التي سبق وأشرنا إليها، فلا نعلم إذا كانت هذه المجالس أثرت به؛ حتى أخذ عنهم مقالاته الفاسدة، فيما بعد، وبعكس واصل، فلم يزعم أحداً أن عمرو بن عبيد قد تلقى العلم من آل البيت الهاشمي، إلا ما قاله "طاش كبرى زاده" متابعاً بذلك لابن المرتضى، الذي يقول "على لسان شبيب ابن شبة" ما رأيت من غلمان ابن الحنفية أكمل من عمرو بن عبيد، فقيل له: متى اختلف عمرو بن عبيد إلى ابن الحنفية، فقال: إن عمراً غلام واصل، وواصل غلام محمد" (١)، وقد سبق وبينا تهافت هذا الزعم؛ فابن الحنفية توفي بعد ميلاد واصل بسنة، واحدة، ومحال على طفل رضيع أن يتلقى العلم، ثم إن عمرا قرين واصل في العمر، فكيف يكون غلامه؟! وقد رد الدكتور النشار على "طاش كبرى زاده فقال: "وهذا خطأ؛ فإن عمرو بن عبيد لم يتقابل مع أبي هاشم إطلاقاً" (٢)، ولكن من الذي كان له الأثر الأكبر على الآخر: هل هو واصل، أم عمرو بن عبيد؟ لقد كان الاثنان من رواد حلقة الحسن البصري – رحمه الله –، وكان واصل يمتاز بالصمت الطويل، حتى نطق ببدعته الممقوتة، في المنزلة بين المنزلتين، ولكن الخطيب البغدادي يرى أن واصلاً كان له الأثر الأكبر على عمرو بن عبيد؛ حيث قال: "كان عمرو يسكن البصرة، وجالس الحسن البصري، وحفظ عنه، واشتهر بصحبته، ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب السنة، فقال بالقدر، ودعا إليه، واعتزل أصحاب الحسن" (٣).ويبدو أن واصل بن عطاء قد أقنع عمرا بالسير في طريق المبتدعة، وتفضيل مجالس الجدال، وكانت مجالس الثنوية ترضي طموحه، ولعل عمرو بن عبيد عندما تمكنت منه شبه واصل، كان يذهب إلى الحسن، ويقول له برأيه، فقد روى العقيلي، قال: "كان لعمرو بن عبيد من الحسن منزلة، فلما بان له ما بان، أتى على الحسن، فكلمه فيما بينه وبينه، فقال الحسن: لا، ثم عاود ثانية، فقال الحسن: لا، ولا كرامة، قال: فلما ولي عمرو، قال الحسن: والله، لا يفلح أبداً" (٤).ولا شك أن عمرا قد اختط طريقا يخالف طريق الحسن البصري – رحمه الله– وكان الحسن له توسم في الرجال؛ فقد كان يلمح من عمرو رغبة في الإحداث، والابتداع، ولكن، على أي أساس كان هذا؟ هل كان يسأل عن القدر، ويجادل فيه، أم كان يثير من المسائل ما يبدو أنها ستؤسس بدعة ضالة؟ فقد روى الفسوي، قال: "رأى الحسن أيوب السختياني (ت١٣١هـ) فقال: هذا سيد شباب أهل البصرة، قال: ورأى عمرو بن عبيد، فقال: هذا من سيدي شباب أهل البصرة، إن لم يحدث" (٥).


(١) ابن المرتضى، ((المنية والأمل)) (ص١٣١)، وانظر ((طاش كبرى زاده)) (ص٢)، (ص٣٥).
(٢) ((نشأة الفكر)) (١/ ٤٠٠).
(٣) ((تاريخ بغداد)) (٢/ ١٦٦).
(٤) ((الضعفاء الكبير)) (٣/ ٢٨٣ - ٢٨٤).
(٥) الفسوي، ((المعرفة والتاريخ)) (٢/ ٢٦٠)، و ((تاريخ بغداد)) (٢/ ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>