للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حدث ما توسم به الحسن البصري؛ فكان أن أحدث عمرو، وابتدع بدعته في الاعتزال، وبقي أيوب السختياني على المنهج الحق، وكان من أشد الناس على عمرو، والمعتزلة، ومن نحا نحوهم من فرق الضلال، وتعتمد شهادة الحسن البصري على ما كان عليه عمرو بن عبيد من الورع، والعبادة، في بداية أمره، وقبل الإحداث؛ قال ابن حبان: "كان عمرو بن عبيد من العباد الخشن، وأهل الورع الدقيق، ممن جالس الحسن سنين كثيرة، ثم أحدث ما أحدث، واعتزل مجلس الحسن البصري، ومعه جماعة؛ فسموا المعتزلة، وكان عمرو بن عبيد داعية إلى الاعتزال، ويشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكذب، مع ذلك، في الحديث" (١).وفي رسالة لواصل بن عطاء بعث بها إلى عمرو بن عبيد، يذكر فيها شكوى الحسن البصري منه، وتوقعه أن يحدث في دين الله، وفي هذه الرسالة يتضح ارتداد عمرو عن منهج السلف، واختيار منهج الابتداع، والمخالفة، وهذه أجزاء منها؛ حيث يقول واصل: "وقد عرفت ما كان يطعن به عليك، وينسب إليك، ونحن بين ظهراني الحسن بن أبي الحسن – رحمه الله –؛ لاستبشاع قبح مذهبك، نحن، ومن قد عرفته من جميع أصحابنا، ولمة إخواننا ... ثم ينقل دعاء الحسن البصري، يقول فيه: "اللهم إني قد بلغت ما بلغني عن رسولك، وفسرت من محكم تأويلك ما قد صدقه حديث نبيك، إلا وإني خائف عمرا، ألا وإني خائف عمرا ثم يقول واصل: "وقد بلغني كبر ما حملته نفسك، وقلدته عنقك، من تفسير التنزيل، وعبارة التأويل، ثم نظرت في كتبك، وما أدته إلينا روايتك، من تنقيص المعاني، وتفريق المباني؛ فدلت شكاية الحسن بالتحقيق؛ بظهور ما ابتدعت، وعظيم ما تحملت، وسوف يكون لنا وقفة مع هذه الرسالة فيما بعد، وسنعطي عليها بعض الملاحظات (٢).


(١) ابن حبان، ((المجروحين)) (٢/ ٦٩)، ت. محمود إبراهيم، دار المعرفة، لبنان، ١٤١٢هـ، وانظر إلى أحكام علماء الحديث عليه في الجرح والتعديل، (٦/ ٢٤٧).
(٢) ابن عبد ربه، ((العقد الفريد)) (٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥)، ت. د. مفيد قميحه، دار الكتب العلمية، بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>