للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد انفرد عن أصحابه بمسائل، منها: الأولى: قوله: إن علم الله سبحانه وتعالى هو الله وقدرته هي هو (١).الثانية: أنه أثبت إرادات لا محل لها يكون الباري تعالى مريدا بها، وهو أول من أحدث هذه المقالة، وتابعه عليها المتأخرون من المعتزلة (٢).الثالثة: قوله في كلام الباري تعالى أن بعضه لا في محل، وهو قول "كن" وبعضه في محل كالأمر والنهي، والخير والاستخبار، وكأن أمر التكوين عنده غير أمر التكليف (٣).الرابعة: قوله في القدر مثل ما قاله أصحابه؛ إلا أنه قدري الأولى جبري الآخرة، فإن مذهبه في حركات الخالدين في الآخرة أنها كانت ضرورية، لا قدرة للعباد فيها، وكلها مخلوقة للباري تعالى؛ إذ لو كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلفين بها (٤).الخامسة: قوله في حركات أهل الخلدين، أنها تنقطع، وأنهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار، ومذهبه هذا قريب من مذهب جهم؛ إذ حكم بفناء الجنة والنار، وقد التزم أبو الهذيل هذا المذهب؛ لأنه لما ألزم في مسألة حدوث العالم، أن الحوادث التي لا أول لها كالحوادث التي لا آخر لها؛ إذ كل واحدة لا تتناهى. قال: إني لا أقول بحركات لا تتناهى آخرا، كما لا أقول بحركات لا تتناهى أولا، بل يصيرون إلى سكون دائم. وكأنه ظن أن ما يلزمه بالحركة لا يلزمه بالسكون (٥).السادسة: قوله في الاستطاعة أنها عرض من الأعراض غير السلامة والصحة، وفرق بين أفعال القلوب، وأفعال الجوارح، فقال: لا يصح وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة عليها، ولا مع موته، وجوز وجود أفعال الجوارح من الفاعل مع عدم قدرته عليها إن كان حيا وبعد موته، وزعم أن الميت والعاجز يجوز أن يكونا فاعلين لأفعال الجوارح بالقدرة التي كانت موجودة فيهما قبل الموت والعجز (٦).السابعة: قوله في المكلف قبل ورود السمع؛ أنه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر وإن قصر في المعرفة استوجب العقوبة أبدا، ويعلم أيضا حسن الحسن، وقبح القبيح، فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل، والإعراض عن القبيح كالكذب والفجور (٧).

الثامنة: قوله في الآجال والأرزاق: إن الرجل إذا لم يقتل مات في ذلك الوقت، ولا يزداد في العمر أو ينقص، والأرزاق على وجهين:

أحدهما: ما خلقه الله تعالى من الأمور المنتفع بها يجوز أن يقال: خلقها رزقا للعباد. ثانيهما: ما حكم الله به من هذه الأرزاق للعباد، فما أحل منها فهو رزقه، وما حرم فليس رزقا، أي: ليس مأمورا بتناوله (٨).التاسعة: حكي عنه أنه قال: إرادة الله غير المراد، فإرادته لما خلقه هي خلقه له، وخلق الشيء عنده غير الشيء، بل الخلق عنده قول لا في محل. وقال: إنه تعالى لم يزل سميعا بصيرا بمعنى سيسمع وسيبصر، وكذلك لم يزل غفورا رحيما محسنا خالقا رازقا مثيبا معاقبا مواليا معاديا آمرا ناهيا بمعنى أن ذلك سيكون منه (٩).

العاشرة: قوله في الحجة في الأخبار: قال: إن الحجة في الأخبار الماضية الغائبة عن الحواس لا تثبت بأقل من عشرين رجلا فيهم واحد أو أكثر من أهل الجنة.


(١) ((الفرق بين الفرق)) (١٢٧).
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٤)، ((فرق وطبقات المعتزلة)) (١٩٢).
(٣) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٤)، ((فرق وطبقات المعتزلة)) (١٩٢).
(٤) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٤)، ((فرق وطبقات المعتزلة)) (١٩٢).
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٤).
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٢٨)، ((فرق وطبقات المعتزلة)) (١٩٣)، بتصرف.
(٧) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٥).
(٨) ((فرق وطبقات المعتزلة)) (١٩٤)، ((الملل والنحل)) (١/ ٥٥).
(٩) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٥)، ((فرق وطبقات المعتزلة)) (١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>