للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكما، وخبر ما فوق الأربعة إلى العشرين يصح وقوع العلم به، وقد لا يصح؛ ذلك أن الحجة لا تجب بأخبار الفاسقين والكافرين، فلا بد من معصومين لا يجوز عليهم الكذب والزلل في شيء من الأفعال تجب الحجة بأخبارهم في كل زمان، وأهل الجنة هم أولياء الله المعصومون عن الخطايا، فلا يكذبون ولا يرتكبون الكبائر، والأمة في كل عصر لا تخلو من عشرين منهم واحد من أهل الجنة على أقل تقدير. ويرى البغدادي أن أبا الهذيل أراد بهذا القول تعطيل الأخبار الواردة في الأحكام الشرعية عن فوائدها؛ لأن نقلة الأخبار ينبغي أن يكون فيهم واحد من أهل الجنة، أي: واحد على رأيه في الاعتزال، لأن من لم يكن كذلك لا يكون عنده مؤمنا ولا من أهل الجنة (١).

الفرقة الرابعة:

النظامية: أتباع أبي إسحاق إبراهيم بن سيار بن هانئ المعروف بالنظام، سمي بهذا الاسم لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة، ولد سنة (١٨٥هـ)، وتوفي سنة (٢٣١هـ)، عاشر في شبابه قوما من الثانوية والسمنية القائلين بتكافؤ الأدلة، وخالط بعد كبره قوما من ملحدة الفلاسفة، ثم اتصل بـ هشام بن الحكم الرافضي فأخذ عنه وعن ملحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجزأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة التي لم يسبق إليها، وأخذ عن الثنوية قوله: بأن فاعل العدل لا يقدر على فعل الجور والظلم. وأخذ أيضا عن هشام قوله: إن الألوان والروائح أجسام، وبنى على هذا قوله بتداخل الأجسام في حيز واحد.

وأعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات؛ ولذلك أنكر إعجاز القرآن وما روي من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ليتوصل بذلك إلى إنكار نبوته صلى الله عليه وسلم، ثم إنه استثقل أحكام الشريعة، فأبطل الطرق الدالة عليها، ومن ثم أبطل حجية الإجماع والقياس في الفروع، وأنكر الحجة من الأخبار التي لا توجب العلم الضروري، وطعن في فتاوى الصحابة، وجميع فرق الأمة من فريقي الرأي والحديث مع الخوارج والشيعة، والنجارية، وأكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام، ولم يتبعه في ضلالته إلا شرذمة قليلة من القدرية كالأسواري، وابن حائط والجاحظ مع مخالفة كل واحد منهم له في بعض ضلالاته. وممن قال بتكفيره من شيوخ المعتزلة أبو الهذيل والجبائي والأسكافي، وجعفر بن حرب وكتب أهل السنة في تكفيره تكاد لا تحصى (٢).

وقد انفرد عن أصحابه بمسائل، منها:


(١) ((فرق وطبقات المعتزلة)) (١٩٤)، ((الفرق بين الفرق)) (١٢٧)، ((الفرق بين الفرق)) (١١٩).
(٢) ((التبصير في الدين)) (٦٧)، ((الفرق بين الفرق)) (١٣١)، ((تاريخ الفرق الإسلامية)) (١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>