للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي الحاسة المدركة، ولذلك كان يقول: إن النفس هي التي تدرك المحسوسات من هذه الخروق التي هي الأذن والأنف والفم والعين لا أن للإنسان سمعا أو بصرا هو غيره (١).العاشرة: قوله في الفكر قبل ورود السمع أنه إذا كان عاقلا متمكنا من النظر يجب عليه تحصيل معرفة الباري تعالى بالنظر والاستدلال، وقال بتحسين العقل وتقبيحه في جميع ما يتصرف فيه من أفعاله، وقال: لابد من خاطرين: أحدهما: يأمر بالإقدام، والآخر: بالكف ليصح الاختيار (٢).الحادية عشر: وافق الفلاسفة في نفي الجزء الذي لا يتجزأ، وقال بأن الجزء يمكن تجزئته إلى ما لا نهاية، فلا بعض إلا وله بعض، ولا نصف إلا وله نصف، وفي قوله هذا إنكار أن يكون تعالى محيطا بآخر العالم عالما به (٣)؛ وذلك في قوله تعالى وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: ٢٨].الثانية عشر: قوله بالطفرة: إن قول النظام بنفي الجزء الذي لا يتجزأ جره إلى القول بالطفرة، وهي دعواه أن الجسم قد يكون في المكان الأول ثم يصير منه إلى المكان العاشر من غير المرور بالأمكنة المتوسطة بينه وبين العاشر، ومن غير أن يصير معدوما في الأول، ومعادا في العاشر (٤).ويرى ابن حزم أن هذا القول لا ينطبق إلا على حاسة البصر، فإذا أطبق الإنسان بصره ثم فتح لاقى المرئيات من غير أن يمر بالمسافة التي بين العين وبين المبصر (٥). وابن حزم معذور في هذا، لأنه يجهل ما اكتشفه العلم الحديث من أن النور يقطع المسافة في زمن، وأن سرعته عظيمة بحيث إذا أطبق الإنسان بصره ثم فتحه لاقى الأجرام السماوية في مدة قصيرة، فينخدع الرائي ويظن أن البصر لم يقطع بمسافة، ولم يمض زمن (٦).الثالثة عشر: تكلم في مسائل الوعد والوعيد، فزعم أن من خان في مائة وتسعة وتسعين درهما بالسرقة أو الظلم لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه أو غصبه وخان فيه مائتي درهم (٧).وقد اعترض البغدادي على هذا القول، فقال: إن كان النظام بنى قوله هذا على ما تقطع به اليد في السرقة، فإنه لم يجعل أحد نصاب القطع في السرقة مائتي درهم، بل قال قوم في نصاب القطع أنه ربع دينار أو قيمته، وبه قال الشافعي وأصحابه، وقال مالك: بربع دينار أو ثلاثة دراهم، وقال أبو حنيفة: بوجوب القطع في عشرة دراهم فصاعدا، واعتبره قوم بأربعين درهما أو قيمتها. . وما اعتبر أحد نصاب القطع مائتي درهم، ولو كان التفسيق معتبرا بنصاب القطع لما فسق الغاصب لألوف الدنانير؛ لأنه لا قطع على الغاصب المجاهر، ولوجب أن لا يفسق من سرق الألوف من غير حرز أو من الإبل، لأنه لا قطع في هذين الوجهين، وإن كان إنما بنى تحديد المائتين في الفسق على أنها نصاب الزكاة، لزمه تفسيق من سرق أربعين شاة لوجوب الزكاة فيها، وإن كانت قيمتها دون المائتي درهم، وإذا لم يكن للقياس في تحديده مجال ولم يدل عليه نص من القرآن والسنة الصحيحة لم يكن مأخوذا إلا من وسوسة شيطانه الذي دعاه إلى ضلالته (٨).


(١) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ٣١).
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٦٠).
(٣) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٧)، ((الفرق بين الفرق)) (١٣٩)، ((المقالات)) (٢/ ٦).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٠).
(٥) ((الفصل)) (٥/ ٦٤).
(٦) ((المعتزلة)) (١٢٣)، بتصرف.
(٧) ((الملل والنحل)) (١/ ٦٠).
(٨) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>