للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتى بمسائل انفرد بها، منها ما يلي: الأولى: في الجسم. قال: معنى الجسم أنه مؤتلف، وأقل الأجسام جزآن، والجزء الواحد يحتمل جميع الأعراض إلا التركيب (١).الثانية: في الصفات. قال: لا يجوز أن نقول أن الله يتكلم مع العباد، بل نسميه تعالى (مكلما) لأن المتكلم يقتضي قيام الكلام به، كما أن المتحرك يقتضي قيام الحركة به؛ أما إذا قلنا: مكلما، فلا يقتضي ذلك (٢).الثالثة: قال: إن الله تعالى قادر على ظلم الأطفال والمجانين، وليس بقادر على ظلم العقلاء البالغين (٣).

الفرقة الثالثة عشر: الخابطية والحدثية: أتباع أحمد بن خابط، توفي سنة (٢٣٢هـ)، وفضل الحدثي المتوفى سنة (٢٥٧هـ)، وهما فرقة واحدة، تطرفت في أقوالها؛ لذلك اعتبرها البغدادي من فرق الغلاة، ففصلها عن سائر فرق المعتزلة (٤). واعتبرها من الفرق المنتسبة إلى الإسلام وليست منه (٥).يقول الخياط: إن هذه الفرقة كانت من جملة فرق المعتزلة، ولكنها حينما تطرفت في أقوالها نفاها المعتزلة وتبرأوا من رئيسها (٦). وقد سماها بعض الكتاب المعاصرين كزهدي جار الله الحائطية، ولعل الصحيح ما ذكرناه، وهو أنها الخابطية (٧).ويقول الشهرستاني: أن ابن خابط والحدثي كانا من أصحاب النظام، وطالعا كتب الفلسفة أيضا، وضما إلى مذهب النظام مسائل (٨)، منها ما يلي: الأولى: زعما أن للخلق ربين وخالقين: الأول: قديم وهو الله؛ والآخر: حديث. وهو المسيح عليه السلام؛ وبذلك فقد أثبتا حكما من أحكام الإلهية في المسيح موافقة للنصارى على اعتقادهم أنه هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة. . وقالا أيضا: إن المسيح تدرع جسدا، ونزل إلى الدنيا، وكان قبل التدرع عقلا. والشهرستاني – كما بينا – يرى: أنهما قالا هذا القول موافقة للنصارى؛ أما البغدادي فيرى: أنهما قالاه موافقة للثنوية في إثبات خالقين (٩).

الثانية: القول بالتناسخ: زعما أن الله تعالى أبدع خلقه أصحاء سالمين عقلاء بالغين في دار سوى هذه الدار التي هم فيها اليوم، وخلق فيهم معرفته، والعلم به، وأسبغ عليهم نعمه، ولا يجوز أن يكون أول ما يخلقه إلا عاقلا ناظرا معتبرا، وابتدأهم بتكليف شكره، فأطاعه بعضهم في جميع ما أمرهم به وعصاه بعضهم في جميع ذلك، وأطاعه بعضهم في البعض دون البعض، فمن أطاعه في الكل أقره في دار النعيم التي ابتدأهم فيها، ومن عصاه في الكل أخرجه من تلك الدار إلى دار العذاب وهي النار، ومن أطاعه في البعض دون البعض أخرجه إلى دار الدنيا، ويسميها دار الابتلاء، فألبسه هذه الأجسام الكثيفة وابتلاه بالبأساء والضراء والشدة والرخاء والآلام واللذات على صور مختلفة من صور الإنسان والحيوان على قدر ذنوبهم، فمن كانت طاعته أكثر كانت صورته أحسن وآلامه أقل، ومن كانت ذنوبه أكثر، كانت صورته أقبح وآلامه أكثر، ثم لا يزال يموت ويرجع ما دامت معه ذنوبه وطاعاته حتى يمتلئ المكيالان، مكيال الخير، ومكيال الشر، فإذا امتلأ مكيال الخير صار العمل كله طاعة والمطيع خيرا خالصا، فينقل إلى الجنة، وإذا امتلأ مكيال الشر صار العمل كله معصية، والعاصي شريرا، فينقل إلى النار، ولأجل ذلك زعم أن جميع أنواع الحيوان أمم وأن لها رسل، لأنها ممسوخة عن الإنسان العاصي في دار النعيم التي خلق فيها.


(١) ((المعتزلة)) (١٤١).
(٢) ((التبصير في أمور الدين)) (٧٤).
(٣) ((التبصير في أمور الدين)) (٧٤).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١١٤)، ((المعتزلة)) (١٤٢).
(٥) ((المعتزلة)) (١٤٢) نقلا عن ((الفرق بين الفرق)) (٢٢٢).
(٦) ((المعتزلة)) (١٤٢) نقلا عن ((الانتصار)) (١٤٩).
(٧) حاشية ((الفرق بين الفرق)) (٢٢٨).
(٨) ((الملل والنحل)) (١/ ٦١).
(٩) ((الفرق بين الفرق)) (٢٢٧)، ((الملل والنحل)) (١/ ٦١)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>