للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرقة الواحدة والعشرون: البهشمية: هم أتباع أبي هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي رئيس معتزلة البصرة بعد أبيه قدم ابن المرتضي ذكره على جميع رجال الطبقة التاسعة لزعمه أنه متقدم عليهم في العلم، وقد خالف أباه في جملة من المسائل، وتوفي في بغداد في شهر شعبان من سنة (٣٢١هـ) (١).

من أقواله التي اشتهر بها ما يلي: الأول: قوله في التوبة: لقد ذكر عدة حالات لا تصح فيها التوبة، منها: التوبة عن الذنب عند العجز عن مثله، فإنها لا تصح، فمثلا: لا تقبل توبة الكاذب بعد خرس لسانه عن الكذب. ومنها التوبة عن الذنب مع الإصرار على قبيح آخر يعلمه الإنسان أو يعتقده قبيحا، وإن كان في الحديث ذاته حسنا، ويعلل قوله هذا، بقوله: إنما وجب عليه ترك القبيح لقبحه، فإذا أصر على قبح آخر لم يكن تاركا للقبيح المتروك من أجل قبحه (٢).

الثاني: قوله في الإرادة المشروطة، وهو أنه لا يجوز أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه آخر، بل يجب أن يكون مرادا من جميع الوجوه، فلا يكره من وجه من وجوهه. ويرى البغدادي أن في هذا القول هدما لأصول المعتزلة في الحسن والقبح؛ لأنه يلزمه أن يكون من القبائح ما لا يكرهه الله، فمثلا: يريد تعالى السجود له عبادة، فعلى هذا الأصل لا يجوز أن يكره السجود للصنم عبادة (٣).الثالث: قوله بنفي جملة من الأعراض التي أثبتها أكثر مثبتي الأعراض كالبقاء والإدراك والألم والشك، وقد زعم أن الألم الذي يلحق الإنسان عند المصيبة ليس بمعنى أكثر من إدراك ما ينفر عنه الطبع، والإدراك ليس بمعنى عنده، وكذلك اللذات عنده ليست بمعنى، ولا هي أكثر من إدراك المشتهى، والإدراك ليس بمعنى. وقال في الألم الذي يحدث عند الوباء أنه معنى كالألم الذي يحدث عن الضرب، لأنه واقع تحت الحس (٤).الرابع: الثواب والعقاب: قال أبو هاشم باستحقاق الشكر والذم على فعل الغير، فلو أن زيدا أمر عمرا بفعل طاعة استحق زيد شكرين: شكر على الأمر الذي هو فعله، وشكر على فعل الطاعة التي هي فعل عمرو فخالف الأمة بذلك، وكذلك لو أمره بمعصية؛ استحق ذميين على الأمر وعلى فعل عمرو (٥).وكذلك قال: باستحقاق الذم والعقاب لا على فعل، فالإنسان القادر المكلف إذا مات ولم يرتكب معصية، ولكنه لم يفعل بقدرته طاعة لله تعالى استحق الذم والعقاب الدائم لا على فعل، بل من أجل أنه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه، وارتفاع الموانع عنه؛ ولذلك اعتبر من لم يفعل ما أمر به عاصيا، وإن لم يفعل معصية، ولم يعد طائعا إلا من فعل طاعة فحتى يكون الإنسان مطيعا فيتخلص من العقاب، ويستحق الثواب يجب عليه ليس أن يمتنع عن فعل ما نهي عنه فحسب، بل أن يفعل أيضا ما أمر به (٦).

الفرقة الثانية والعشرون: الحمارية: هم قوم من معتزلة عسكر مكرم اختاروا من بدع أصناف القدرية ضلالات مخصوصة، ولم يذكر لهم رئيس بعينه، فأخذوا من ابن خابط قوله بتناسخ الأرواح في الأجساد والقوالب، وأخذوا عن الجعد بن درهم قوله: بأن النظر الذي يوجب المعرفة تكون تلك المعرفة فعلا لا فاعل لها، وقالوا أيضا: أن الخمر ليست من فعل الله وإنما من فعل الخمار، لأن الله لا يفعل ما يكون سببه المعصية. وزعموا أن الإنسان قد يخلق بعض الحيوانات كالديدان من اللحم إذا وضعه في الشمس (٧).

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق – ص ٥١


(١) ((الفرق بين الفرق)) (١٨٤) الحاشية، ((المعتزلة)) (١٥٣).
(٢) ((التبصير في أمور الدين)) (٨١)، ((المعتزلة)) (١٥٤).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (١٩٢).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١٩٦).
(٥) ((الفرق بين الفرق)) (١٨٩).
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٨٦)، ((المعتزلة)) (١٥٥).
(٧) ((الفرق بين الفرق)) (٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>