للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى ذلك: فإن تكفير الله للنصارى ليس لأنهم أثبتوا ثلاث صفات بل لأنهم أثبتوا ثلاثة آلهة.

وبذلك يبطل استدلالكم بهذه الآية. والله أعلم.

الشبهة الخامسة:

يقول ابن تيمية: (ادعت المعتزلة أن صفات الباري تعالى ليست زائدة على ذاته؛ لأنه لا يخلو إما أن يقوم وجوده بتلك الصفة المعينة بحيث يلزم من تقدير عدمها عدمه. أو لا.

إن كان لا يقوم وجوده إلا بها؛ فقد تعلق بها وصار مركباً من أجزاء لا يصح وجوده إلا بمجموعها، والمركب معلول. وإن كان لا يقوم وجوده بها ولا يلزم من تقدير عدمها عدمه فهي عرضية والعرض معمول (١)، وهما على الله محال فلم يبق إلا أن صفات الباري غير زائدة على ذاته، وهو المطلوب) (٢).

المناقشة:

لقد أجاب ابن تيمية –رحمه الله- عن هذه الشبهة فقال: الذي عليه الكتاب والسنة أن الله سبحانه وتعالى له علم وقدرة ورحمة ومشيئة وعزة. . . وساق النصوص على ذلك من الكتاب والسنة إلى أن قال. . . وأما الجواب على شبهتي العرض والتركيب، فهو كما يلي:-أولا: أنهم- أي: المعتزلة- يثبتونه تعالى عالماً وقادراً ويثبتونه واجباً بنفسه فاعلاً لغيره، ومعلوم بالضرورة أن مفهوم كونه عالماً، غير مفهوم الفعل بغيره، فإذا كانت ذاته مركبة من هذه المعاني لزم التركيب الذي ادعوه، وإن كانت عرضية؛ لزم الافتقار الذي ادعوه، وإن كان الواجب بنفسه لا يتميز عن غيره بصفة ثبوتية، فلا واجب، وإذا لم يكن واجبا لم يلزم من التركيب محال؛ وذلك أنهم إنما نفوا المعاني باستلزامها ثبوت التركيب المستلزم نفي الوجوب، وهذا محال (٣).ثانيا: أنا لا نسلم أن هناك تركيبا من أجزاء بحال، وإنما هي ذات قائمة بنفسها مستلزمة للوازمها التي لا يصح وجودها إلا بها، وليست صفة الموصوف أجزاء له ولا أبعاضا يتميز بعضها عن بعض أو تتميز عنه حتى يصح أن يقال هي مركبة منه أو ليست مركبة، فثبوت التركيب وعدمه فرع تصوره، وتصوره هنا منتف (٤).

ثالثا: أنه لو فرض أن هذا يسمى مركبا، فليس هذا مستلزما للإمكان، ولا للحدوث؛ وذلك أن الذي علم بالعقل والسمع أنه يمتنع أن يكون الرب تعالى فقيرا إلى خلقه، بل هو الغني عن العالمين. وقد علم أنه حي قيوم بنفسه وأن نفسه المقدسة قائمة بنفسه وموجودة بذاته، وأنه أحد صمد، غني بنفسه، ليس ثبوته وغناه مستفادا من غيره، وإنما هو بنفسه لم يزل ولا يزال حقا صمدا قيوما، فهل يقال في ذلك أنه مفتقر إلى نفسه أو محتاج لأن نفسه لا تقوم إلا بنفسه؟ فالقول في صفاته التي هي داخلة في مسمى نفسه هو القول في نفسه (٥).

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق – ص ٨٤

إن التعرف على بطلان مذهب المعتزلة في الصفات من الأمور التي لا تحتاج إلى تبحر في العلم ودقة في الفهم، بقدر ما تحتاج إلى تصور صحيح إلى الشبهات التي أقام عليها هذا المذهب تعطيله لصفات الباري عز وجل، فإن التصور الصحيح لهذا المذهب وأمثاله من مذاهب المعطلة كاف في بيان بطلانها وتهافتها.


(١) ((تلبيس الجهمية)) (١/ ٦٠٥).
(٢) ((تلبيس الجهمية)) (١/ ٦٠٥)، ((شرح الأصول الخمسة)) (٢٠١).
(٣) ((تلبيس الجهمية)) (١/ ٦٠٥)، بتصرف.
(٤) ((تلبيس الجهمية)) (١/ ٦٠٦)، بتصرف.
(٥) ((تلبيس الجهمية)) (١/ ٦٠٧)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>