للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - الثالثة: كل ما لا ينفك عن الحوادث، ولا يتقدمها فهو حادث. ٤ - الرابعة: الأجسام حادثة؛ لأنها لم تنفك عن الحوادث، ولم تتقدمها (١).وهذه الدعاوى مرتبة – كما ذكر القاضي عبد الجبار–، "فالأولى يجب أن تكون متقدمة، والأخيرة يجب أن تكون متأخرة، والدعويان اللتان في الوسط لا ترتيب فيهما. وإنما قلنا إن الأولى يجب تقديمها؛ لأنها كلام في إثبات هذه المعاني، وما لم نعلمها لا يمكننا وصفها لا بالحدوث ولا بالقدم، كما أنا إذا لم نعلم زيدا، لا يمكننا وصفه بأنه طويل، ولا بأنه أسود. وأما الأخيرة: فإنما وجب تأخيرها؛ لأنها كلام في أن الجسم إذا لم ينفك من المحدث ولم يتقدمه وجب حدوثه مثله. وما لم تثبت الدعاوى الثلاث من قبل لا معنى لهذا الكلام. وأما اللتان هما في الأوسط: فلا ترتيب فيهما؛ لأنهما كلام في أوصاف هذه المعاني، ومتى عرفناها إن شئنا وصفناها أولا بالحدوث، وإن شئنا وصفناها بأن الجسم لم يخل منها" (٢).

فالدعوى الأولى هي الأساس في هذه المسألة، وعليها بنيت الدعويان اللاحقتان، وأما الأخيرة، فهي نتيجة مترتبة على الدعاوى السابقة. وقد حرر القاضي عبد الجبار هذه الدعاوى، وحاول أن يثبت صحة كل واحدة منها (٣).

١ - ففي الدعوى الأولى: وهي أن الأجسام لا تنفك عن الأكوان الأربعة: الاجتماع والافتراق والحركة والسكون: بين أن الجسم حصل مجتمعا في حال، وكان يجوز أن يبقى مفترقا، فلا بد له من أمر ثان خصص كونه مجتمعا، وإلا لم يكن حصوله مجتمعا بأولى من حصوله مفترقا (٤).وتصور اعتراضا مفاده: لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لذاته، من غير أمر ثان مخصص، ورد عليه بقوله: (قلنا: لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مجتمعا أبدا، ولا يكون مفترقا أصلا، ولأنه لو كان كذلك، لوجب أن يكون كل جزء فيه مجتمعا؛ لأن صفة الذات ترجع إلى الآحاد والأفراد دون الجمل. ولأنه لو كان كذلك، لوجب إذا افترق أن يكون مفترقا لذاته، وأيضا فكان يؤدي إلى أن يكون مجتمعا على قصدنا مفترقا دفعة واحدة، وذلك محال. ولأنه لو كان كذلك، لكان يجب ألا يقف كونه مجتمعا على قصدنا ودواعينا، والمعلوم خلافه. ولأنه لو كان كذلك لوجب في الأجسام كلها أن تكون مجتمعة لأنها متماثلة، والاشتراك في صفة من صفات الذات يوجب الاشتراك في سائر صفات الذات" (٥).ثم تصور عبد الجبار اعتراضات أخرى يمكن أن تثار ضد هذه الدعوى، ورد عليها ردودا عديدة، وانتهى من هذا التفنيد الطويل المتشعب إلى إثبات الأكوان الأربعة: الاجتماع والافتراق والحركة والسكون (٦).

٢ - وفي الدعوى الثانية: وهي إثبات حدوث الأعراض: استدل عبد الجبار على دعواه "حدوث الأعراض": بأن العرض يجوز عليه العدم، بينما القديم لا يجوز أن يعدم. والعرض لا يجوز أن يكون قديما، وإذا لم يكن قديما، وجب أن يكون محدثا؛ لأن الموجود يتردد بين هذين الوصفين، فإذا لم يكن على أحدهما، كان على الآخر لا محالة (٧).

وقد بنى كلامه هذا على أصلين:

١ - أحدهما: أن العرض يجوز عليه العدم.

٢ - والثاني: أن القديم لا يجوز عليه العدم.

ويريد أن يدلل بهذين الأصلين على حدوث العرض؛ لجواز العدم عليه، وانتفاء العدم عن القديم.

وقد برهن على هذين الأصلين، بما يلي:


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (٩٥) - بتصرف.
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (٩٦).
(٣) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (٩٦).
(٤) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (٩٨).
(٥) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (٩٨).
(٦) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (٩٩)، ((مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي)) (١/ ٣٩٨).
(٧) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>