للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أما الأصل الأول: وهو قوله: (العرض يجوز عليه العدم):

فالدليل عليه – كما ذكر عبد الجبار – أن: الجسم المجتمع إذا افترق، فما كان فيه من الاجتماع لا يخلو:

إما أن يكون باقيا فيه كما كان.

أو زائلا عنه.

ومحال أن يكون باقيا فيه كما كان، لحصول الافتراق، فبحصوله زال الاجتماع، وإذا كان زائلا فلا يخلو:

إما أن يكون زائلا بطريقة الانتقال.

وإما أن يكون زائلا بطريقة العدم.

ولا يجوز أن يكون زائلا بطريقة الانتقال؛ لأن الانتقال محال على الأعراض؛ فالعرض يفارق الجوهر تماما، لا ينتقل منه إلى آخر. فلم يبق إلا أن يكون زائلا بطريقة العدم (١).

٢ - وأما الأصل الثاني الذي ذكره عبد الجبار: وهو قوله (القديم لا يجوز عليه العدم):

فالدليل عليه – كما زعم -: أن "القديم قديم لنفسه، والموصوف بصفة من صفات النفس لا يجوز خروجه عنها بحال من الأحوال. وهذه الدلالة مبنية على أصلين:

أحدهما: أن القديم قديم لنفسه. والثاني: أن الموصوف بصفة من صفات النفس لا يجوز خروجه عنها بحال من الأحوال" (٢).

أولا: القديم قديم لنفسه؛ لأنه لو لم يكن كذلك - على حد قول عبد الجبار، لكان:

١ - إما قديما بالفاعل، وهذا محال؛ لأن من حق الفاعل أن يكون متقدما على فعله، وما تقدمه غيره لا يجوز أن يكون قديما؛ لأن القديم هو ما لا أول لوجوده.

٢ - أو قديما بالمعنى، وهو محال أيضا؛ لأن المعنى لا يخلو؛ إما أن يكون قديما، أو محدثا.

ولا يجوز أن يكون محدثا؛ لأن العلة لا تتراخى عن المعلول.

ولو كان المعنى قديما لشاركت العلة معلولها، فلم تتميز عنه. ومن شأن العلة أن تتميز عن المعلل، وعدم تميزها يدل على فسادها.

فاستحال أن يكون المعنى قديما. وانتفى بذلك أن يكون القديم قديما بالمعنى، فلم يبق إلا أن يقال: إنه قديم لنفسه (٣).

ثانيا: الموصوف بصفة من صفات النفس لا يجوز خروجه عنها بحال من الأحوال: لأن الذات، أو النفس – كما ذكر عبد الجبار – لما اختصت بصفة صارت ذاتا معلومة، فلو خرجت عن هذه الصفة لخرجت عن أن تكون ذاتا معلومة أصلا، ومن هنا لم يجز على الموصوف بصفة من صفات الذات خروجه عن هذه الصفة بحال من الأحوال؛ إذ صفة الذات مع الذات تجرى مجرى صفة العلة مع العلة؛ فكما أن صفة العلة تجب ما دامت العلة، فكذلك صفة الذات تجب ما دامت الذات (٤).وغاية مراد القاضي عبد الجبار من كل هذا الكلام أن يدلل على حدوث الأعراض، وينفي قدمها؛ لأن القدم باق، والباقي لا ينتفي إلا بضد، أو ما يجري مجرى الضد، فيجب ألا ينقضي القديم أصلا؛ لأنه لا ضد له، ولا ما يرجي مجرى الضد (٥).

وكذا الأعراض تشتمل على نسب التخالف، والتماثل والتضاد؛ إذ يمكن اجتماع المتخالفين، ويمكن ارتفاعهما، مع اتحاد المكان والزمان. ويمكن ارتفاع المتضادين معا، لكن لا يمكن اجتماعهما مع التحاد الزمان والمكان (٦).وهذه من صفات المحدثات، والقديم لا يجوز عليه ذلك (٧).

وأما الدعوى الثالثة: وهي أن الأجسام لا يجوز خلوها من الأكوان؛ التي هي: الاجتماع والافتراق والحركة والسكون:

فقد دلل عليها عبد الجبار بما يلي:


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١٠٤).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١٠٧).
(٣) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١٠٧).
(٤) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١٠٨).
(٥) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١٠٨).
(٦) ((ضوابط المعرفة)) لعبد الرحمن حبنكة الميداني (٥٨).
(٧) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>