للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - الجسم لو جاز خلوه عن هذه المعاني، لجاز أن يخلو عنها الآن، بأن يبقى على ما كان عليه من الخلو. "ألا ترى أن الجسم لما صح أن يكون مجتمعا أو مفترقا الآن، صح أن يكون مجتمعا أو مفترقا في كل وقت وفي كل زمان. ولما استحال أن يكون مجتمعا مفترقا دفعة الآن، استحال أن يكون في كل وقت وفي كل زمان، ولما وجب كونه مجتمعا أو مفترقا الآن وجب ذلك في كل زمن وفي كل مكان. فوجب لو جاز خلوه عنها في كل حال من الأحوال، أن يجوز خلوه عنها الآن بأن يبقى على ما كان عليه من الخلو، وهذا يوجب لو أخبرنا مخبر بأن في أقصى بلاد العالم جسما ليس بمجتمع ولا مفترق ولا متحرك ولا ساكن أن نصدقه، والعلوم خلافه، فثبت بهذا أن الجسم لا يخلو عن الأكوان في وقت من الأوقات" (١).٢ - كل جسمين، إما أن يكون بينهما بون ومسافة أو لا يكون. فإن كان بينهما بون ومسافة؛ كانا مفترقين. وإن لم يكن بينهما بون ولا مسافة: فهما مجتمعان. فصح أن الجسم لم ينفك عن هذه المعاني (٢).

٣ - لو خلا الجسم عن الاجتماع والافتراق، فالسابق إليه لا يخلو: إما أن يكون الاجتماع، أو الافتراق.

فلو قيل: إن الذي سبق إليه هو الاجتماع، لقلنا: كيف يصح تجميع ما لم يكن مفترقا من قبل؟ وإن قيل: إن السابق إليه هو الافتراق؛ نقول: كيف يصح تفريق ما لم يكن مجتمعا؟ (٣).

فدل ذلك على أن الجسم لا ينفك عن هذه المعاني.

وأما الدعوى الرابعة: وهي قوله: الجسم إذا لم ينفك عن هذه الحوادث التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون: وجب أن يكون محدثا مثلها: فقد دلل عبد الجبار عليها: بأن "الجسم إذا لم يخل من هذه الحوادث ولم يتقدمها: وجب أن يكون حظه في الوجود كحظها، وحظ هذه المعاني في الوجود أن تكون حادثة وكائنة بعد أن لم تكن. فوجب في الجسم أن يكون محدثا أيضا وكائنا بعد أن لم يكن؛ كالتوأمين إذا ولدا معا، وكان لأحدهما عشر سنين، فإنه يجب أن يكون للآخر أيضا عشر سنين" (٤).

وهذا الدليل الذي ساقه عبد الجبار المعتزلي، والدعاوى الأربع التي قام عليها أول من قال بها: أبو الهذيل العلاف؛ أول من سلك هذا المسلك من المعتزلة – كما تقدم. وعلى مسلكه هذا سار المعتزلة كلهم (٥). فهذا الحاكم الجشمي (٦): قد بنى قضية حدوث الأجسام على أربع دعاوى:

أولهما: أن ههنا أعراضا غير الأجسام.

وثانيها: أنها محدثة.

وثالثها: أن الجسم لا يخلو منها. ورابعها: أن الجسم إذا لم يسبقها، فإنه يجب أن يكون محدثا مثلها؛ لقد وجد في حال وجودها، فحظه في الوجود كحظها" (٧).


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١١١).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١١٣).
(٣) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١١٣).
(٤) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (١١٣).
(٥) ((شرح الأصول الخمسة)) لعبد الجبار (٩٥).
(٦) ((فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)) لابن المرتضى – تحقيق فؤاد سيد (٣٥٤)، ((الأعلام)) للزركلي (٥/ ٢٨٩)، ((الحاكم الجشمي منهجه في التفسير)) – رسالة دكتوراة لعدنان زرزور، ((الزيدية)) لأحمد محمود صبحي (٢٢٨).
(٧) ((شرح العيون)) للحاكم الجشمي (١٠٤)، مخطوط يوجد في المكتبة الغربية في الجامع الكبير بصنعاء، تحت رقم (٩٩) علم الكلام – نقلا عن ((الزيدية)) للدكتور أحمد محمود صبحي (٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>