للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو في ذلك موافق لأبي الهذيل على مسلكه. ودليله على حدوث الأجسام: "أنها لم تخل من أعراض المحدثات، ولم يتقدم الجسم عليها، فوجب أن يكون حكمه في الوجود كحكمها" (١).وينحو قول الحاكم الجشمي هذا قول ابن المرتضى (٢).وقال محمد بن الحسن الطوسي (٣) – ذاكرا الدعاوى الأربع التي سبقه إلى بيانها أسلافه من المعتزلة:"الأول: أن في الأجسام معاني غيرها" (٤): أي أنها لا تنفك عن الأعراض والأكوان الأربعة؛ الاجتماع والافتراق والحركة والسكون (٥)."الثاني: أن نبين أن تلك المعاني محدثة" (٦): إذ الأعراض زائلة، والأكوان متغيرة، وما كان كذلك كان حادثا (٧)."الثالث: أن نبين أن الجسم لم يسبقها في الوجود" (٨): فهو لم يتقدمها، وحاله أنه لا ينفك عنها، ولا يخلو منها (٩)."الرابع: أن ما لم يسبق المحدث يجب أن يكون محدثا" (١٠)، فالأجسام لم تسبق المعاني المحدثة، فحكمها في الحدوث كحكمها، فالأجسام حادثة (١١).

وهذا رجع صدى لأقوال أسلافه من المعتزلة. وقال عبد الكافي (١٢) الأباضي (١٣) مدللا على حدوث الأجسام: "نظرنا في هذا العالم، فوجدناه صنفين لا ثالث لهما: إما جسم، أو عرض صفة له. ثم نظرنا في العرض، فإذا هو صفات متضادة، متعاقبة في الجسم، فقلنا: لا تخلو هذه الأشياء من أن تكون قديمة أو محدثة، فبطل أن تكون قديمة؛ لكونها متعاقبة في الجسم، آتية وذاهبة، وليس في إتيان الآتي منها أكثر من حدوثه، ولا في ذهاب الذاهب أكثر من بطلانه وفنائه. وبطل أن تكون هذه الأشياء مجتمعة مع تضادها في الجسم بحال واحدة؛ لبطلان الوصف له بها في حال واحدة. ولو كان الأمر كذلك؛ فجاز أن يسمى الجسم مجتمعا متفرقا، ومتحركا ساكنا، مع سائر تلك الصفات في حال واحدة، فثبت أن بطلان ما بطل منها لم يبطل إلا بحدوث ضده، وأن ما حدث منها لم يحدث إلا بفناء ضده وبطلانه. فلما كان الأمر هكذا، علمنا أن تلك الأشياء بجميعها محدثة كائنة بعد أن لم تكن" (١٤).


(١) ((شرح العيون)) للحاكم الجشمي (١٠٤)، مخطوط يوجد في المكتبة الغربية في الجامع الكبير بصنعاء، تحت رقم (٩٩) علم الكلام – نقلا عن ((الزيدية)) للدكتور أحمد محمود صبحي (٢٣٠).
(٢) ((القلائد في تصحيح العقائد)) (٥٣)، ((البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)) للشوكاني (١/ ١٢٢)، ((الأعلام)) للزركلي (١/ ٢٦٩)، ((مصادر الفكر العربي الإسلام في اليمن)) لعبد الله الحبشي (٥٨٤)، ((الزيدية)) لأحمد محمود صبحي (٣٤٠).
(٣) ((الفهرست)) للنجاشي (٢٨٧)، ((رجال الحلي)) (٢٤٨)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (٥/ ١٣٥)، ((روضات الجنات)) للخوانساري (٦/ ٢١٦)، ((الكنى والألقاب)) لعباس القمي (٢/ ٣٥٧). ((منهج المقال)) للاستراباذي – مخطوط (ق ٢٨١/أ – ٢٨٢/ب)، ((تنقيح المقال)) للمامقاني (٣/ ١٠٤)، ((الأعلام)) للزركلي (٦/ ٨٤).
(٤) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٤).
(٥) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٤).
(٦) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٤).
(٧) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٥).
(٨) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٤).
(٩) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٦).
(١٠) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٤).
(١١) ((الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد)) للطوسي (٤٣).
(١٢) ((دراسات إسلامية في الأصول الإباضية)) (٥٠).
(١٣) ((مقالات الإسلاميين للأشعري)) (١/ ١٨٣)، ((الفرق بين الفرق)) (١٠٣)، ((التبصير في الدين)) للإسفراييني (٥٨)، ((البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان)) للسكسي (٢٢).
(١٤) ((الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال في الرد على أهل الخلاف)) لعبد الكافي (١/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>