للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: يقال لهم أخبرونا عن المعاني التي تدعونها في حركة واحدة أيما أكثر هي أم المعاني التي تدعونها في حركتين؟ فإن أثبتوا قلة وكثرة؛ تركوا مذهبهم وأوجبوا النهاية في المعاني التي نفوا النهاية عنها، وإن قالوا: لا قلة ولا كثرة ههنا، كابروا وأتوا بالمحال الناقض لأقوالهم؛ لأنهم إذا أوجبوا للحركة معنى أوجبوا للحركتين معنيين، وهكذا أبدا فوجبت الكثرة والقلة ضرورة لا محيد عنها. وقد اعترض بعضهم فقال: أخبرونا أليس الله تعالى قادر على أن يخلق في جسم واحد حركات لا نهاية لها، فكان جواب أهل الإسلام لهم بـ "نعم" فتمادوا في السؤال، فقالوا: أخبرونا أيما أكثر ما يقدر الله تعالى عليه من خلق الحركات في جسمين أو ما يقدر عليه من خلق الحركات في جسم واحد؟ فأجاب أهل الحق على ذلك بأنه لا يقع عدد على معدوم، وإنما يقع العدد على الموجود المعدود، والذي يقدر الله تعالى عليه ولم يفعله فليس هو بعد شيئا، ولا له عدد، ولا هو معود، ولا نهاية لقدرة الله تعالى. وأما ما يقدر عليه تعالى ولم يفعله، فلا يقال فيه أن له نهاية، ولا أنه لا نهاية له، وأما كل ما خلق الله تعالى، فله نهاية، وكذا كل ما يخلق إذا خلقه حدثت له نهاية؛ حينئذ لا قبل ذلك، وأما المعاني التي تدعونها فإنكم تدعون أنها موجودة قائمة فوجب أن يكون لها نهاية، فإن نفيتم النهاية عنها لحقتم بأهل الدهر، وكلمناكم بما كلمناهم به. . " (١).

وإذا ثبت لها نهاية ثبت لها بداية فأصبحت حوادث والله منزه عن حلول الحوادث فيه، فبطل قولكم. والله أعلم.

ثانيا: يقول البغدادي - بعد أن عرض رأي معمر في المعاني -: "وفي هذا القول إلحاد من وجهين:

أحدهما: قوله بحوادث لا نهاية لها، وهذا يوجب وجود حوادث لا يحصيها الله تعالى؛ وذلك عناد لقوله تعالى: وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: ٢٨]. ثانيهما: أن قوله بحدوث أعراض لا نهاية لها يؤديه إلى القول بأن الجسم أقدر من الله تعالى، لأن الله عنده ما خلق غير الأجسام، وهي محصورة عندنا وعنده، والجسم إذا فعل عرضا: فقد فعل معه ما لا نهاية له من الأعراض، ومن خلق ما لا نهاية له ينبغي أن يكون أقدر ممن لا يخلق إلا متناهيا في العدد. ثم قال: وقد اعتذر الكعبي (٢) عنه بأن قال: أن معمرا كان يقول: إن الإنسان لا فعل له غير الإرادة، وأما سائر الأعراض، فهي أفعال الأجسام بالطباع. يقول البغدادي: فإن صحت هذه الرواية عنه؛ لزمه أن يكون الطبع الذي نسب إليه فعل الأعراض أقوى من الله - عز وجل -؛ لأن أفعال الله أجسام محصورة، وأفعال الطباع أصناف من الأعراض، كل صنف منها غير محصور العدد. . " (٣).

والقول بأن شيئا من مخلوقاته تعالى أقدر منه كفر فما يؤدي إليه أو ينبني عليه مثله. وقد سبق أن بينا أن رأيهم في صفات الباري - عز وجل - إنما بنوه على قولهم فيما سواها من الأعراض الموجودة في الأجسام، وقد بطل الأصل وببطلانه يبطل الفرع، والله أعلم.

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص ٩٤


(١) ((الفصل)) (٥/ ٤٧).
(٢) ((فرقة الكعبية)) (٧٤) من الرسالة.
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>