للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: أحوال أبي هاشملقد تخلص أبو هاشم كسابقه من استعمال لفظة الصفات ودعاها أحوالا فقال: إذا قلنا: إن الله عالم أثبتنا لله حالة خاصة هي العلم، وهي وراء كونه ذاتا، وإذا قلنا: إن الله قادر أثبتنا لله حالة خاصة هي القدرة، وهي وراء كونه ذاتا، وهكذا في سائر الصفات، وتأتي فوق هذه الأحوال حال أخرى عامة توجبها كلها (١).ويقول في موضع آخر: "إن العالم له في كل معلوم حال لا يقال فيها أنها حالة مع المعلوم الآخر، ولأجل هذا زعم أن أحوال الباري - عز وجل - في معلوماته لا نهاية لها، وكذلك أحواله في مقدوراته لا نهاية لها، كما أن مقدوراته لا نهاية لها" (٢).ويرى أبو هاشم - أيضا - أن هذه الأحوال لا تعرف على انفراد، فهي على حيالها لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا مجهولة ولا قديمة ولا محدثة، ولكنها توجد مع الذات وتعرف بعلاقتها بها فقط، فقد يعلم الشيء مع غيره، ولا يعلم على حياله كالجوهر الفرد لا يعلم فيه تأليف ولا مماسة ما لم ينضم إليه جوهر آخر (٣).

وتعليل كونها لا موجودة ولا معدومة أن أبا هاشم كان يرى أن المعدوم شيء، فإذا قال: إن الأحوال موجودة أو معدومة أثبتها أشياء أو ذواتا. وتعليل كونها لا معلومة ولا مجهولة: أن أبا هاشم لو قال ذلك للزمه أن يثبتها أشياء أيضا، لأن من رأيه أنه لا يعلم إلا ما يكون شيئا، ولا قال إنها متغايرة؛ لأن التغير لا يقع إلا على الأشياء والذوات (٤)؛ أما تعليل كونها لا قديمة ولا محدثة، أنها لو كانت قديمة لشاركت الذات الإلهية في القدم، ولو كانت محدثة، لكان الله تعالى محلا للحوادث (٥).ويقول البغدادي: "إنما ألجأ أبا هاشم إلى القول بالأحوال سؤال ورد من قدماء المعتزلة عن العالم منا هل فارق الجاهل بما علمه لنفسه أو لعله؟، وأبطلوا مفارقته إياه لنفسه مع كونهما من جنس واحد وبطل أن تكون مفارقته إياه لا لنفسه ولا لعلة؛ لأنه لا يكون حينئذ بمفارقته له أولى من آخر سواء فثبت أنه إنما فارقه في كونه عالما لمعنى ما، ووجب أيضا أن يكون لله تعالى في مفارقة الجاهل معنى أو صفة فارقة بها فزعم أنه إنما فارقه لحال كان عليها (٦).ويتضح من عرضنا لأحوال أبي هاشم أن غايته كغاية معمر وسائر المعتزلة، وهي التخلص من إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها، ولذلك رفض استعمال لفظ الصفات واستعاض عنها بالأحوال. فقال: إن الصفات على حيالها ليست أشياء وذواتا وأنها لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا مجهولة، وأنها لا توجد إلا إذا تعلقت بالذات ظانا أنه بذلك يخفف من جوهرية الصفات ويقلل من أهميتها، فجاءت أحواله شبيهة من وجوه عديدة بمعاني معمر، وكانت محاولته مماثلة لمحاولة معمر (٧).المناقشة: لقد رفض أهل السنة والجماعة أحوال أبي هاشم لذلك رد عليه كثير من العلماء كابن حزم والباقلاني (٨) والشهرستاني والبغدادي ونشير إلى بعض ردودهم عليه، فنقول وبالله التوفيق.

أولا: يقول ابن حزم - رحمه الله - في جملة رده على مثبتي الأحوال: "أخبرونا عن هذه الأحوال، هل هي معان ومسميات. . محدودة، أم ليست معاني. .؟ ".


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ٧٥)، ((نهاية الإقدام)) (١٨٠).
(٢) ((الفرق بين الفرق)) (١٩٦).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (١٩٥)، ((الملل والنحل)) (١/ ٧٥)، ((نهاية الإقدام)) (١٣٧).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١٨٢).
(٥) ((المعتزلة)) (٧٠).
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٨١).
(٧) ((المعتزلة)) (٧١).
(٨) ((الأعلام)) (٧/ ٤٦)، ((وفيات الأعيان)) (١/ ٤٨١)، ((معجم المؤلفين)) (١٠/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>