للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يتصور سكوت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن بيان الحق لأممهم وخاصة فيما يتعلق بالذات الإلهية مما يجوز ويمتنع فلما لم يحصل من موسى عليه السلام إنكار على من طلب الرؤية دل ذلك على جوازها.

رابعا: من أدلتهم السمعية قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: ٥١].

ووجه الدلالة: أن الله تبارك وتعالى نفى كلامه لأحد من البشر إلا من هذه الطرق الثلاثة:

١ - الوحي:

وهو القذف في الروع، أي أن الله تبارك وتعالى يقذف في قلب النبي شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل، وهو مثل ما حصل لأم موسى. أو يكون رؤيا منام ورؤيا الأنبياء وحي.

٢ - الكلام بلا وساطة ومن وراء حجاب:

وذلك مثل كلام اله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى السماء، وكما كلم موسى عليه السلام، وقد سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها.

٣ - إرسال الرسل:

وهو الملك الذي ينزل بالوحي كما ينزل جبريل عليه السلام أو غيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وإذا لم يره من يكلمه في وقت الكلام لم يره في غيره إجماعا، وإذا لم يره هو أصلا لم يره غيره أيضا إذ لا قائل بالفرق (١)، يؤيد هذا ما جاء في حديث مسروق قال: (كنت متكئا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن، قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني ألم يقل الله عز وجل وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير: ٢٣]، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم: ١٣]، فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه فقال: ((إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين. رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض) فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: ٥١] .... الحديث (٢).والجواب: كما قال صاحب المواقف (أن التكليم وحيا وقد يكون حال الرؤية فإن الوحي كلام يسمع بسرعة وماذا فيه من الدليل على نفي الرؤية) (٣).

واستدلال عائشة رضي الله عنها بالآية على نفي الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم لربه، هذا حق، لأن النفي منصب على وقوع الرؤية في الدنيا – ولم تقع لأحد على الصحيح – وليس لنفي جواز الرؤية مطلقا كما يستدل به النفاة من الجهمية والمعتزلة والإمامية وغيرهم وجمهور أهل السنة على أن الرؤية في الدنيا وإن كانت جائزة إلا أنها لم تقع فيها.

المصدر:رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها لأحمد بن ناصر آل حمد – ص٢٦


(١) ((شرح المواقف)) (٨/ ١٤٢).
(٢) رواه مسلم (١٧٧).
(٣) ((شرح المواقف)) (٨/ ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>